إن مبدأ العبودية لله والتسليم لله هو العنوان الجامع الكبير، وما يحقق لنا كمسلمين أن نعبّد أنفسنا لله بشكلٍ صحيح ونتحرك في طريق الله ونهج الله وصراطه المستقيم هو مبدأ الولاية، وهذا المبدأ هو مبدأٌ مهم و عظيم و أساسيٌ في دين الله سبحانه وتعالى، وهو الطريق الذي يحقق لنا أن نعبد الله تعالى ونسلم له ونطيعه بالشكل الصحيح ولا يمكن أن يتحقق للإنسان أن يكون مسلماً لله ويعبّد نفسه لله دون أن يتولاه لأن مبدأ الولاية وفق الرؤية القرآنية هو الضمانة للوصول الى العبودية لله تعالى.
والتولي في الجانب السلبي “التولي للأعداء” يقصل الإنسان المسلم عن أن يكون عبدا لله يقول الله تعالى عنه {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُوْنَ الْكَافِرِيْنَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِيْنَ} (آل عمران : من الآية27ـ28) بمعنى لا يجوز ولا يصح وغلطة كبيرة؛{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} (آل عمران: من الآية28) ولخطورة القضية، تصل بالإنسان إلى مستوى لم يعد بينه وبين الله أي شيء وكأنه ليس بمؤمن بالله نهائياً فالله يقول :{فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} وهذه الآية لم يعد هناك أوضح منها في نفيه تماماً وفصله عن كل شيء فلا إيمان ، ولا تسليم، ولم يبقى للإنسان بينه وبين الله شيء وأصبح خارجا عن مقتضى العبودية لله والتسليم له.
لا بد من التولي
يوجد في كل زمان مساران وتوجهان متباينان لا بُدّ للإنسان أن يكون في أي منهما: إما أن يكون في الاتجاه الذي قدِّمته ثقافة القرآن الكريم, المتمثل بالتولي الله والإيمان بولايته وهذا معناه أن ينطلق الإنسان في الحياة وفق توجيهات القرآن ويسير على هدى الله ليحقق العبودية المطلوبة لله تعالى، أو الاتجاه الآخر، اتجاه اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ومعناه: أن يكونون هم من يتحكمون في شؤون هذه الأمة, أن يكون ما يفرض على الناس, وما يُلزَم الناس بالتوجُّه إليه, وبالتقبُّل له هو ما تريده أمريكا، لا ما يريده الله ووهنا يكون الإنسان عبدا لأمريكا وللطواغيت ، ويقبل أوامرهم وينتهي بنواهيهم.
إن عنوان الولاية الإلهية على العباد هي عنوانٌ شامل، عنوانٌ واسع، عنوانٌ كبير في كل جوانبها، هي تشمل كل الجوانب: سواءً الجانب التكويني، أو الجانب التشريعي، أو جانب التدبير، جانب الهداية في مفهومها العام والواسع… مفاهيم واسعة تدخل في هذا، وأنبياء الله هم يأتون ليعيدوا الناس ضمن مبدأ الولاية الإلهية، إلى التشريع الإلهي، إلى الهداية الإلهية؛ لربط حياة الناس في مختلف شؤون حياتهم على أساسٍ من هدي الله وتوجيه الله -سبحانه وتعالى- لتربية المجتمع على أساسٍ من القيم الإلهية، على أساسٍ من الأخلاق العظيمة التي قدمها الله لعباده، والتي أودعها في فطرتهم وحتى يعبدوا الله بشكل سليم وصحيح.
الموالاة والمعاداة
الموالاة معناها: المعية، تشعر بأنك في هذا الجانب تؤيد هذا الجانب، متجه إلى هذا الجانب، هذه هي الموالاة سواء كانت موالاة لأولياء الله أو موالاة لأعداء الله، فالموالاة معناها: المعية، المعية في الموقف، المعية في الرأي، المعية في التوجه، المعية في النظرة، هذه هي الموالاة.) محاضرة: الموالاة والمعاداة-ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي.
ومن هنا فإن ” الموالاة ” هي حالة نفسية والمعاداة هي حالة نفسية، لكنها تتحول إلى مواقف وتنعكس بشكل مواقف، وتعتبر في حد ذاتها مهيئة للإنسان والناس جميعا، وكل من هم على وتيرة واحدة في الموالاة تُهيئ هذه الأرضية، أرضية صالحة لانتشار تَوَجُّه، وأعمال الجهة التي هم يوالونها سواء كانت جهة محقة أو مبطلة.
وخطورتها أنها تهيئ، تجعل الناس يقفون مع هذا الطرف، ويصوتون لهذا الإنسان، ويؤيدون عمل شخص معين، وهكذا سواء حق أو باطل. ولأن الحالة النفسية لدى الإنسان هي النقطة الأساسية بالنسبة للتغيير نحو الأفضل، أو التحول نحو الأسوأ كما قال الله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد11) معظم ما يتوجه التغيير في النفس، عندما تحاول أن تكره نفسك على شيء، عندما تحاول أن تحصل على وعي، على فهم، إنما هو في الأخير من أجل أن ترسم توجهك، التوجه في الموقف توجه النفس، توجه القلب، وهذا هو الولاء، هو الموالاة.
فالتغيير أن يحصل لدى الإنسان أو الأمة حالة من التوجه نتيجة وعي معين، سواء وعي إيجابي فيما يتعلق بنهج الحق ووجهة حق، أو سلبي وسيئ فيما يتعلق بالباطل ومنهج باطل. ومما يدل على خطورة الموالاة إنها هي في الواقع عندما يحصل لديك وعي كثير من خلال أشياء كثيرة أن معنى ذلك أن تصل إلى درجة أن تتجه ، [ذات اليمين] أو تتجه ، [ذات الشمال] هذا الاتجاه في صورته العامة هو موالاة. المصدر السابق-محاضرة الموالاة والمعاداة
التحذير من التولي لأهل الكتاب
لما كانت الأمة ستظل دائماً في صراع مع أهل الكتاب من بداية النبوة وربما إلى نهاية التاريخ ذكر الله الكثير عن أهل الكتاب، ثم ذكر الحل داخل الحديث عن أهل الكتاب فجاء الحديث بالتحذير عن تولي اليهود والنصارى كقضية لا بد أن تتحقق وإلا فلن يحصل نصر للمسلمين أبداً ما داموا أولياء لليهود والنصارى. والآيات من سورة آل عمران والآيات في سورة المائدة، كل واحدة تحدثت عن بني إسرائيل، وقدمت جانباً من الحل، وقدمت نسبة كبيرة من تأهيل الأمة للمواجهة.. فالله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة: من ال آية51). ومن أعجب وأعظم وأوضح تجليات هذه الآية هو ما تعيشه الأمة الإسلامية في هذا العصر.
فإما أن يكون الإنسان في الاتجاه الصحيح ضمن مبدأ الولاية القرآني فيتولى الله ورسوله والذين آمنوا على النحو المذكور في الآيات المباركة في سورة المائدة، أو أن يزيغ ويتيه في اتخاذ اليهود والنصارى أولياء والارتباط بمشاريعهم إما بشكلٍ مباشر أو من خلال أوليائهم، يتولاهم بالتدريج، ويتولى أوليائهم الذين يرتبطون ارتباطاً تاماً بهم.
ومن يتأمل اليوم في واقع الأمة وعلى نحوٍ غير مسبوق يجد نسبة واسعة من أبناء الأمة اتجهت في طريق الولاء لليهود والنصارى، واتخاذهم أولياء، وارتبطت بالمشروع الأمريكي الإسرائيلي ارتباطاً تاماً وهذا هو اتخاذهم أولياء وأكثر، ولا يبقى هناك إلا الاتجاه الآخر.
وتوحي الآيات في سورة المائدة وآل عمران بأن هناك صراع بين الخطين والاتجاهين في داخل الأمة، الاتجاه الذي اتخذ اليهود والنصارى أولياء بالتأكيد يدخل في صراعٍ ساخن في جبهة أولئك، لأن من النتيجة الطبيعية في اتخاذهم أولياء أن يكون في صفهم وفي جبهتهم وموقفه موقفهم، فيحدث صراع في داخل الأمة.
فيما الاتجاه الآخر الذي يتجه، طبقاً والتزاماً بمبادئه وإسلامه فتولى الله سبحانه وتعالى وتولى رسوله والذين آمنوا على النحو المذكور هو في نهاية هذا الصراع الغالب من الله سبحانه وتعالى بتأييده بعونه بنصره وما أكد عليه في تولي اليهود والنصارى أنه توعد المسارعين فيهم بعاقبة محتومة هي الندم والخسران، ولا يصلون إلى ما أمّلوه من توليهم لهم، وهذه حقيقة قاطعة لا ريب فيها.
وقد بدأت آيات الولاية في سورة المائدة بنداء يتكرر كثيراً في القرآن الكريم ويخاطب المؤمنين باسم إيمانهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أنتم من تعدون أنفسكم مؤمنين انتبهوا، فقد تقعون في موالاة اليهود والنصارى من حيث تشعرون أو من حيث لا تشعرون، ويوجه النهي بصراحة: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}. والحقيقة القرآنية والواقع اليوم يشد أن هذا سيحصل وأن كنت تحمل اسم الإيمان.. واليهود لا يزالون أمامك ملعونين، ومكروهين، وقد تنطلق -وأنت تحمل اسم الإيمان -لتتولاهم.. فقضية التولي هي خطاب للمشاعر للقلب، أعمال تنطلق نحو القلب نحو النفس، ومنطقة القلب هي منطقة خطيرة، والتولي هو من أعمال القلوب، والعداء هو من أعمال القلوب، يبدأ بميل إليهم يدفعك إلى أن تكون معهم.
وقلب الإنسان يحتاج إلى أن يحظى برعاية عالية من قبل الله سبحانه وتعالى، وأن يكون مملوء بهدى الله، ومملوءً بالولاء لله ولرسوله وللذين آمنوا، وإذا لم يكن على هذا النحو فما أسهل أن يفسد، وما أسهل أن يتحول إلى قلب يهودي وقلب نصراني، وهو من يرى أنه ما يزال مؤمناً، لأن القلب الفارغ من هدي الله ومما يرشد إليه الله سبحانه وتعالى هو من سيكون ضحية؛ ولهذا جاءت الآية بعد: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (المائدة: من ال آية52).
ومن الملحوظ في الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل أنها تذكرنا بالمسؤولية، وتذكرنا بحجم الخطورة، وتدفعنا بأي وسيلة إلى أن ننفصل عنهم وباهتمام كبير جدا في الدفع لإبعادنا عنهم حتى لا نتأثر بهم.
خطورة أهل الكتاب
أهل الكتاب وخاصة اليهود خطيرون جداً على الأمة ولديهم وسائل متعددة وأساليب خطيرة، ويمكن أن تتأثر بهم بسهولة وأنت تحمل اسم الإيمان وأنت تصلي وتصوم وتحج، فأتت هذه الحملة القرآنية حتى لا تكون ضحية لهم فتصبح في واقعك يهودياً أو نصرانياً أو كافراً بأساليب خبيثة وأساليب ملتوية. هذا الأسلوب جاء في سورة آل عمران وفي سورة البقرة وفي سورة المائدة وسورة النساء وفي كثير من سور القرآن.
والقرآن الكريم يحذر من كفر قد يحصل في أعماق الأعماق؛ وليس كفرا صريحا بمعنى أنك لا تصرح بيهوديتك وارتدادك الصريح، وهذا من رحمة الله بنا حتى لا نقع ضحية من حيث لا نشعر فيقدم الإنسان على الله وهو يظن أنه سيدخل الجنة مع أوليائه؛ لذلك يتحدث بآيات شديدة اللهجة مما يدل على اهتمام بالغ وإشعار بخطورة هذه القضية، مع أننا نعرف اليهود ونعرف النصارى، ونحن نلعنهم، وهذا مما يدلل على ضرورة المعاداة لهم واتخاذ الموقف منهم والابتعاد عن التولي لهم تحت أي عنوان والابتعاد عن كل ما قد يؤدي الى توليهم.
قضية الموالاة والمعاداة خطيرة جداً بكل الاعتبارات إذا كانت سلبية وعندما يقول لك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فلأن هنالك أعمالاً خطيرة جداً وغامضة، ومن النوع الذي يتجه إلى أعماق النفوس فينعكس بشكل مواقف. ونتائجها بالغة الخطورة في غايتها، عندما تصبح ظالماً لنفسك ومشاركاً في ظلم البشرية فتأخذ نصيبك من كل ما ذُمَّ به اليهود في القرآن الكريم، وعلى ألسنة عباد الله.
*نقلا عن : موقع أنصار الله