مضى واحد وستون عاماً من عمر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، التي تعتبر أهم الثورات اليمنية، كونها غيرت نظام الحكم في اليمن، وهي من دعمت ثورة 14 أُكتوبر 1963م وحرّرت المحافظات الجنوبية من تحت وطأة الاحتلال البريطاني.
ثورة 26 سبتمبر كانت لها أهداف سامية ومقدسة، وقادها ثوار أبطال كانوا يحلمون ببناء يمن جمهوري قوي، ولكن وللأسف الشديد تعرضت هذه الثورة للمؤامرة والتدخلات الخارجية، والصراعات الدولية وتصفية الحسابات بين السعوديّة ومصر، فكان التدخل المصري بقوة في دعم ثورة 26 سبتمبر، والسعوديّة بدعم الإمام البدر، وكليهما ليس حباً في اليمن، فالكل طرف حساباته وأهدافه وأجندته الخَاصَّة به، وهو ما أفرغ ثورة 26 سبتمبر من أهدافها وحرفها عن مسارها الحقيقي.
فقادة ثورة 26 سبتمبر ارتهنوا لمصر وتحول الدعم والتأييد المصري إلى تحكم وسيطرة على الثورة، وأصبحت مصر هي من تحكم اليمن، وهي من تعين الوزراء ورئيس الحكومة، لدرجة أن مصر تسجن الحكومة اليمنية قرابة عام، وكان في المقابل التدخل السعوديّ بدعم الطرف الآخر ليس حباً في الإمام ولكن الهدف هو إيقاف التمدد المصري وعدم تمكين مصر من السيطرة على باب المندب وخوفاً من وصول التغيير إلى أراضيها، وقلب نظام الحكم الملكي في السعوديّة في ظل توسع القوميين بقيادة عبد الناصر الذي أيد ودعم عدة بلدان للتحرّر من الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي الذي كان سائداً في البلدان العربية والإسلامية، فتحولت الثورة إلى صراع وحرب أهلية لمدة ثماني سنوات من عام 1962م حتى 1970م انتهت بانتصار الجمهورية.
ولولا وقف التدخل الخارجي السعوديّ والمصري، بعد نكسة 67 وهزيمة الجيوش العربية أمام جيش الكيان الصهيوني، ما كان لهذه الحرب أن تنتهي، والذي توج في قمة الخرطوم أغسطُس 1967م وتم الاتّفاق بين الملك فيصل بن سعود والرئيس جمال عبد الناصر بالعودة لتنفيذ اتّفاق جدة عام 1965م الذي تم الاتّفاق بينهما في ذلك الوقت بانسحاب الجيش المصري، ووقف الدعم السعوديّ والاعتراف بالجمهورية العربية اليمنية، ومن بعد هذا التاريخ تم تسليم اليمن للسعوديّة، والتي من يومها حتى قيام ثورة 21 سبتمبر2014م وهي من تتحكم باليمن؛ باعتبارها حديقة خلفية لها، فكانت الوصاية السعوديّة هي من أجهضت الحلم اليمني، وأفرغت الثورة من أهدافها، وأصبحت أهدافاً شكلية فقط، وشعارات تردّد في المحافل، وتكتب في ترويسة الصحف، والكتب المدرسية ليس أكثر.
ولكن رغم كُـلّ ما تعرضت له ثورة 26 سبتمبر من مؤامرات وتدخلات إلا أنها ستبقى أهمَّ الثورات اليمنية، وأهدافها حلماً تسعى كُـلّ الأجيال اليمنية لتحقيقها، ومشروع نضال لكل يمني حر.