لا تزال عملية سيطرة القوات البحرية اليمنية على سفينة إسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، أحد أبرز الشواغل للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي رسمياً وشعبياً -ضمن معركة طوفان الأقصى- بين متوجس وخائف من هذه العملية وتداعياتها وتأثيرها وما بعدها، كما هو شأن معسكر الأعداء، ومرحب ومشيد بهذه العملية السوبر استراتيجية باعتبارها انتصاراً متقدماً لمظلومية أبناء قطاع غزة الذين يذبحون منذ أكثر من 40 يوماً بآلة الموت الإسرائيلية الأمريكية الغربية، وحتى الإسلامية.
ومن بين أبرز هذه المواقف المرحبة والمشيدة بالعملية، تصريح أبي عبيدة عشية سريان الهدنة المفترضة في 23 تشرين الأول/نوفمبر، الذي حيا فيه الجيش اليمني؛ «إخواننا في يمن العروبة والإسلام الذين حركتهم صرخات أهلنا ونداءات مقاومتنا، فنهضوا بنخوتهم العربية المعهودة، وكسروا قيود الجغرافيا، ونصروا وينتصرون لغزة بكل عنفوان وإصرار»، بل إن بعض الزملاء في حماس نقل لي شخصياً بأن هناك ارتياحاً كبيراً في أوساط سكان غزة لهذه العملية.
والأبعد من ذلك أنَّ بعض الخبراء الفلسطينيين في الشؤون الدولية والمحللين الاستراتيجيين، ذهبوا إلى القول أبعد من ذلك: «إن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي هو أحد صناع القرن الحادي والعشرين، وإن عملية السيطرة على السفينة الإسرائيلية في البحر الأحمر من قبل القوات المسلحة اليمنية، كانت بمنزلة البطاقة الحمراء في المجتمع الدولي للضغط عليهم بسرعة لوقف إطلاق النار على غزة»، ذلك أن هذه العملية قد لا تكون الأخيرة بالنظر إلى الموقف الرسمي لصناع القرار في صنعاء ما لم يتوقف العدوان ويرفع الحصار على غزة.
ذلك ما تعزّز في المواقف السياسية والعسكرية الصادرة عن صنعاء، بما فيها بيان القوات البحرية اليمنية الأربعاء الفائت، بأن «العمليات العسكرية ضد سفن العدو الإسرائيلي ومصالحه لن تتوقف حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة»، وجددت التأكيد أن «العمليات العسكرية ستستهدف السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو تديرها شركات إسرائيلية أو يملكها أشخاص إسرائيليون».
«إسرائيل».. تخبّط وخيارات شبه منعدمة
هذا التهديد اليمني المفتوح والمشروط في آن مثّل عامل قلق للعدو الإسرائيلي، وأدخله في حالة غير عادية من التخبط والتناقض والإرباك وانعدام الخيارات وصعوبتها، فإن صعّد باتجاه اليمن، فذلك ما ينتظره اليمنيون بفارغ الصبر لتصعيد عملياتهم أكثر وأكثر ضد العدو ومصالحه في البحر، بما فيها الغذاء الذي يمر عبر باب المندب، وإن بلع الصفعة الاستراتيجية، فذلك يؤكد إيمان اليمنيين بعجز وضعف كيان العدو الإسرائيلي المستقوي على الأطفال والنساء فقط.
يدرك الإسرائيلي أن القيادة في اليمن لا تطلق التهديدات جزافاً، وأنها تقرن القول بالفعل، وأن أيادي اليمنيين خفيفة على الزناد، بدليل أن عملية التاسع عشر من تشرين الأول/نوفمبر، جاءت بعد ساعات قليلة من إعلان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أثناء الذكرى السنوية للشهيد بأنّ «العيون مفتوحة على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب، وبمحاذاة المياه الإقليمية اليمنية، وأننا لن نتردد في استهداف أي سفينة إسرائيلية»، وقالها بصريح العبارة: «هذا موقفنا المعلن والصريح والواضح، ويعرف به كل العالم»، وهذا ما شكل قناعة لا غبار عليها لدى الأوساط الصهيونية بأنهم أمام مشكلة تجارية يصعب مواجهتها، كما جاء في إعلامهم.
أمام هذه المعضلة الاستراتيجية، يسعى الجانب الرسمي إلى محاولة الاحتواء في قضية التدخل اليمني القوي في معركة طوفان الأقصى. ومن ناحية أخرى، يسعى إلى توسيع دائرة الخوف والتخويف والتهويل من اليمن لتشمل عدداً من الدول العربية، من بينها مصر والسعودية والأردن، مع أن صنعاء طمأنت العالم أجمع بأنَّ عملياتها لا تشكل أي تهديد للملاحة البحرية، وأنها حصراً ضد السفن والمصالح الإسرائيلية، والمتعاملة مع «إسرائيل» فقط.
ومن خلال التدقيق والتحليل في المواقف والتحليلات الإسرائيلية، فإن عملية 19 تشرين الأول/نوفمبر عززت قناعة الانكشاف الاستراتيجي للكيان المطوق بخمس ساحات قوية. يتجلى ذلك في تصريح لرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق (رئيس المعارضة) يائير لابيد بأنهم وجدوا أنفسهم في معركة على 5 جبهات، إذا أضفنا الساحة السورية وما أطلق من اليمن، وهذا «ليس وضعاً أمنياً صحيحاً».
وبعيداً من تهديدات نتنياهو وغالانت بـ«الرد في الزمان والمكان المناسبين»، فإن توسع الجبهات ورقعة «طوفان الأقصى» لا يخولهم ذلك في الفترة الراهنة على الأقل، وهو ما يفسر ذهابهم إلى التهويل والتخويف لاستدراج مصر والأردن والسعودية والمجتمع الدولي تحت ذريعة أن العملية تشكل تهديداً للملاحة الدولية برمتها، وذهابهم إلى اتهام إيران بالوقوف وراءها، وهو ما نفاه الرئيس الإيراني على هامش «اللقاء الخاص» مع مجموعة من قنوات محور المقاومة في طهران الثلاثاء الماضي، وذلك في سؤال وجهته شخصياً إليه عن عمليات المحور، بما فيها عملية استيلاء القوات اليمنية على السفينة الإسرائيلية في البحر الأحمر، بالقول إن «قوى المقاومة في أي مكان من العالم هي من يتخذ القرار بناء على تشخيصها واستشعارها للمسؤولية، وكل بحسب إمكانياته وقدراته».
لقد أظهرت العملية قدرة عالية لدى البحرية اليمنية، أظهرتها المشاهد التي وزّعها الإعلام الحربي اليمني عبر الإنزال الجوي من طائرة هليكوبتر وعبر عدد من الزوارق الحربية، واقتيادها بكل سلاسة إلى السواحل اليمنية، وعلم فلسطين يرافقهم في الطائرة ويرفرف إلى جانب العلم اليمني على متن السفينة الإسرائيلية، بما يؤكد أن العملية جاءت انتصاراً لفلسطين، وقد تأتي غيرها، وإن بسيناريو وتكتيكات مختلفة، إن أصر العدو الإسرائيلي – ومن ورائه أمريكا والغرب – على مواصلة العدوان على غزة.
ولا أستبعد أن يكون هذا واحداً من العوامل التي سرّعت الهدنة الإنسانية في غزة، من دون الانتقاص من عمليات المقاومة الفلسطينية التي كان لها الدور المهم والحاسم، إلى جانب عمليات حزب الله النوعية على الحدود الجنوبية اللبنانية وعمليات المقاومة الإسلامية العراقية على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.