اليوم بعد معركة “”طُـوفان الأقصى”” تكشفت الكثيرُ من الحقائق التي كانت تتستَّرُ خلفَ الدعاية الكاذبة لدول العدوان على اليمن، وكنت قد كتبت قائلاً: إن التحالف ينفذ رغبة أمريكا وإسرائيل في فرض ثنائية الهيمنة والخضوع على المنافذ ومصادر الطاقة، ويسعى إلى التحكم بطرق الملاحة الدولية، وقلت: إن الصراع الحقيقي هو بين الدول الصناعية الست والصين ودور السعوديّة والإمارات هو إدارة الحرب بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل، وها هي ملامح الصراع تتضح حقيقتها اليوم بعد أن بدأت مطابخ العالم تلوك فكرة قناة ابن غوريون، فالزمن يكشف أن السعوديّة دعمت بتوجيهات أمريكية حملة انتخابات نتنياهو، والسعوديّة والإمارات ينقذان التوجيهات الأمريكية في إدارة الحروب على اليمن والعراق وسوريا وليبيا، وقد تحدث بذلك في حينه حمد بن جاسم الوزير القطري بكل وضوح وشفافية؛ فالأمر لم يعد خفياً، وما كان ضميراً مستتراً أصبح ظاهرًا اليوم، فحكام الخليج ليسوا إلا حراسٌ على آبار النفط، وطالما وحاجة العالم للطاقة بدأت تقل -بحسب خبراء اقتصاد بحلول عام 2030م سوف تقل حاجة العالم للطاقة بنسبة 50 % من حاجته اليوم- وقد بدأت الدول الصناعية تتوجّـه إلى دول أفريقيا وخَاصَّةً الكنغو، حَيثُ تتواجد هناك مواد الخام اللازمة للطاقة البديلة التي تتصالح مع البيئة والمناخ، ولذلك لم يعد يعنيهم حالة التوازن التي كانوا عليها، كما أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب قد فضح السياسة الأمريكية برمتها ورفع الغطاء عن أُسلُـوب إدارتها للعالم، وما يحدث في المنطقة ليس أكثر من حركة تبدُّل وتغيُّر يحاول النظامُ الدولي السيطرةَ على مقاليده حتى يضمن له موقعاً مهماً في المستقبل بعد أن بدأ التنين الصيني يعلن عن نفسه كقوة اقتصادية منافسة وقاهرة وذات رؤية يسعى مثابراً لتنفيذها، ولديه مشروع طريق الحرير الذي يشكل قلقاً لأمريكا والدول الصناعية وَأَيْـضاً لإسرائيل.
فالصراع على الجزر في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي يدار من خلف الكواليس، وَتسفك الدماء اليمنية؛ بسَببِه، وتتعطل فيه الدولة اليمنية، وتفسد فيه مصالح الدولة اليمنية، ويقوم المال العربي المسلم بتمويل الحرب والعدوان على اليمن، وها هو يمول الحرب على فلسطين حتى تحقّق أمريكا والدول الصناعية وإسرائيل مصالحهم في غياب كلي من مصالح العرب والمسلمين، بل غياب كلي للمصالح السعوديّة والإماراتية وهما من يقومان بتمويل الحروب والصراعات في المنطقة كلها منذ عقد من الزمان وربما أكثر.
فأمريكا والصين قد يتفقان على حالة توازن اقتصادي وسياسي ولن تحضر الإمارات في أجندات التفاوض القادم، فدبي ثمة بديل عنها، والطاقة لم تعد بذات أهميّة بعد استخراج النفط الصخري وتوجّـه الدول إلى الصناعة النظيفة والصديقة للبيئة، والسعوديّة لا تمثل بالنسبة للغرب إلا حالة ثقافية ضاغطة على العرب والمسلمين وهي تفقد تأثيرها يوماً بعد آخر؛ بسَببِ حركة الانقسامات الطائفية والثقافية والعرقية ونشاط هيئة الترفيه السعوديّة الذي أصبح يستفز مشاعر العرب والمسلمين، وإسرائيل والغرب هما من يدير السعوديّة اليوم -للأسف الشديد- لكن السعوديّة سوف تكتشف في المستقبل القريب أنها كانت تحفر قبرها بيدها من حَيثُ لا تعلم.
العدوّ يأكل في أطرافنا وفي جزرنا وفي مقدراتنا ونحن عنه في شغلٍ فاكهون، نبالغ في عداواتنا لبعضنا وفي التربص لبعضنا، وفي الكيد لبعضنا دون أن ندرك أن ذلك الاشتغال يديره العدوّ فينا حتى يبلغ منا غاياته وأهدافه ثم يتركنا في صحارى الجوع والفاقة والحاجة كعبيد بعد أن كنا سادةً في الكون والشواهد في الحالة اليمنية من الكثرة بالمقام الذي يغني عن الإشارة إليها، وربما قالت اليوم الحالة الفلسطينية مثل ذلك؛ إذ يمكن النظر إلى التعامل مع أجزاء الجنوب ومن يسمون أنفسهم بالشرعية، ولنا أن نطوف في الشبكة العنكبوتية لنكتشف صحوة الضمير عند البعض من أُولئك ماذا قالت؟ وماذا تقول وسائل الإعلام المحايدة؟ ولنا أن نحدث مثل تلك المقارنة مع غزة وما يحدث في غزة وموقف أهل السنة وانقسام خطابهم بين مؤيد وبين رافض.
ومن نافلة القول إن اليمن تخوض حربها اليوم ضد المستعمر الذي يتخفى بالعقال العربي، وضد الصهيونية التي تحلم بدولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، وضد أطماع الدول الصناعية الكبرى وهي حرب فرضت علينا وقد تداعت الأمم إليها كما يتداعى الأكلة على قصعتهم ولا سبيل لنا إلا خوضها فهي حرب وجود وعزة وكرامة وشرف، فالعالم الذي ينتصر لقضايا الإنسان في عموم الكرة الأرضية يعجز كُـلّ العجز عن الانتصار لها سواءً في اليمن أو في فلسطين كما دلت على ذلك مجمل الوقائع سواءً في اليمن أَو في سياق معركة “”طُـوفان الأقصى””، فالمعركة واحدة وإن لبست أقنعة تنكرية متعددة الوجوه والغايات.