زينب حيدر*
ما بين روايات الإعلام الغربيِّ التقليديِّ صهيونية الهوى، تاهت حقائق "طوفان الأقصى" في الغرب خلال الأيام الأولى. فالشعوب الغربية التي تتلقى أخبارها عبر القنوات الرئيسة هناك، تعرضت لسيل من السرديات الصهيونية التأليف، التنفيذ والإخراج. فانقلب المظلوم ظالمًا، وبات الكيان طفلًا مقطوع الرّأس بلا معيلٍ يقيه شرَّ ما أسرف. وكما أراد الصهاينة حصل، فالرأي العام الغربي، خلال تلك المدة، تضامن مع الصهاينة وأبدى تعاطفه كالمعتاد. لكن سرعان ما فضحت مواقع التواصل الاجتماعي كذب الروايات الصهيونية التي تبنتها وسائل إعلام عريقة والكثير من الوكالات والصحف. فخاطبت هذه المواقع المجتمع الغربي، مبيِّنة حقيقة حدث السابع من تشرين الأول لهذا العام، ومعيدةً إياه إلى سياقه الطبيعي في نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته للمحتل.
ليس هذا فحسب؛ بل إنّ ناشطي هذه المنصات شرعوا بشرح التاريخ الطويل للصراع بين الفلسطيني صاحب الأرض والإسرائيلي المغتصِب. ومن هنا بدأت تظهر إشارات التغير في الرّأي العام الغربي الذي أبدى تضامنًا مع القضية الفلسطينية هو الأول من نوعه في الغرب.
توضح ورقة بحثية نشرها مركز "الجزيرة للدراسات"، في 23 تشرين الثاني من العام الجاري، أن الرأي العام الغربي تجاه الأحداث المستجدة ينقسم إلى اتجاهين، الأول متضامن مع فلسطين من البداية، لكنه كان محاصرًا بالرواية الإسرائيلية الطاغية مع غياب رواية الجانب الفلسطيني. ولهذ؛ا هو انشغل بتأكيد السياق الطويل والممتد للانتهاكات الإسرائيلية التي أدت لما حدث في السابع من تشرين الأول، أكثر من تركيزه على الحدث نفسه. أما الثاني فقد تشكّل مع تجاوز الصهاينة الحدود وارتكابهم أفظع المجازر بحق أهل غزة. وبالطبع، ليست وسائل الإعلام التقليدية من أخبرتهم بذلك، إنما مقاطع الفيديو والصور التي تناقلتها حسابات المتضامنين مع غزة من العرب وغيرهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
مواقع التواصل مفتاح لعرض الواقع في غزة
في حديثٍ مع موقع "العهد" الإخباري، تقول الأكاديمية والمحاضِرة في كلية الإعلام الدكتورة رنا علاء الدين إنه من الواضح أن الإعلام والتغطية الإعلامية التي حصلت على مواقع التواصل الاجتماعي تركت أثرًا كبيرًا جدًّا بالرأي العام الغربي. كما أن ناشطي مواقع التواصل استطاعوا أن يوضحوا للغرب حقيقة ما يحصل في غزة، وأن الحدث لا يرتبط حصرًا بالسابع من تشرين الأول، بل هي أزمة منذ 75 سنة.
كذلك، ترى الإعلامية في إذاعة "النور" بثينة عليق أن: "مواقع التواصل أو الإعلام البديل شكَّلت مصدرًا جديدًا للمعلومات، ونافست بشكلٍ قويٍّ الإعلام التقليدي"، ومع الإشارة إلى أن هذا يحتاج إلى مزيد من التدقيق، قالت إن: "هذه المواقع تفوقت على الإعلام التقليدي في مكان ما"، بحسب ما أفادت لـ"العهد".
هذان الرأيان يمكن تثبيتهما بكلام خبراء في مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث يؤكدون دور هذه المواقع في الحروب؛ لأنها تعرض لوجهة نظر طرفيْ الصراع، ولو بشكل متفاوت. في هذا الإطار، صرح خبير تكنولوجيا المعلومات أشرف عمايرة لموقع "العهد" الإخباري أن مواقع التواصل تُعدّ الآن المصدر الأساسي لتشكيل الرأي العام.
وبالعودة الى الإعلامية عليق، فقد رأت أن دور هذه المنصات وتأثيرها ظهر، بشكلٍ واضح جدًّا، في معركة سيف القدس، وقالت: "في ذلك الوقت كتب الإسرائيليون عن هذا الموضوع؛ وقالوا نحن خسرنا المعركة الإعلامية لأننا في السابق كنا نعتمد على الإعلام التقليدي، كانت لدينا علاقات قوية جدًّا مع رؤساء تحرير الصحف الرئيسة في أميركا، ومع نجوم التلفزيون الأساسيين في أميركا. كنا من خلال العلاقة العامة معهم، نستطيع أن نوصل لهم الرواية أو السردية التي تريد إسرائيل الترويج لها، وكانوا يقومون بهذا الأمر على أفضل حال".
وأضافت إن |الصهاينة، في معركة سيف القدس، لاحظوا أن هذا الأمر لم ينجح، لأنه وعلى حد تعبيرهم وفقًا لمقالات كُتبت في الكيان أن صور فلسطين والناشطين الفلسطينيين وصلت إلى غرف نوم الأميركيين".
وحول الأهمية الكبرى للفضاء الافتراضي، ذكرت د. علاء الدين أن: "مواقع التواصل اليوم هي سلاح". وأردفت: "الآن نستطيع أن نوصل أي صوت، ونحن متيقنون من أن هذا الصوت سيصل لأكبر عدد ممكن، وتوضَّح هذا في حرب غزة".
ومن هنا تبرز جسامة الحسابات المؤيدة لفلسطين، والأهم المتحدثة باللغة الإنكليزية أو إحدى لغات المجتمع الغربي في التأثير على الرأي العام فيه. فهي تنشر مشاهد المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة، وتشرح حقيقة ما يجري بلغةٍ تخاطب الرّأي العام الغربي، فتفضح زيف الادعاءات الإسرائيلية وتُظهر حقيقة الدم المسفوك على أرض قطاع غزة المحاصر منذ 17 عامًا. كما أن الصورة هي بحد ذاتها "لغة عالمية"، كما عبّرت عليق، والتي أشارت إلى أن الناشطين المتحدثين باللغة الإنكليزية أصبحوا ضيوفًا في الإعلام التقليدي، أي أن تلفزيونات أساسية في أميركا استضافت هؤلاء الناشطين، وهذا ما حصل في معركة سيف القدس ويحصل الآن بعد طوفان الأقصى.
وحول نشاط وقوة المؤثرين في غزة والعالم العربي أو حتى في الغرب، وصفت علاء الدين ما أقدموا عليه خلال هذه المدة بأنه شيءٌ غريب، كون العمل على مواقع التواصل الاجتماعي هو مصدر رزقهم. وقالت: "أوقفوا كل المشاريع وعقود الأعمال الخاصة بهم، وتحولت منصاتهم إلى منصات إعلامية سياسية؛ يعرضون فيها ما يجري في غزة، يعيدون مشاركة منشورات وأخبار المؤسسات الإعلامية التقليدية وغير التقليدية، يدعمون متابعيهم وجماهيرهم ويدعونهم كي يعرفوا مَنْ هي مصادرهم، ويوجهونهم أحيانًا، يقدمون لهم لوائح بأسماء صفحات على مواقع التواصل... الناشطون كانوا يقولون للعالم ادخلوا وشاهدوا الحقيقة الآن، وبرأيي ما شاهدناه كان شيئًا غريبًا جدًّا.. ما رأيته كان جوًّا إيجابيًّا جدًّا".
الآراء في الغرب تبدلت.. والفارق الأوضح هو اختلاف الأجيال
نشرت صحیفة "فایننشال تايمز" البريطانية استطلاعاتٍ للرأي، قامت بها منظمات ووكالات مختلفة، انجلت عبرها تغيرات في الرأي العام الغربي قبل السابع من تشرين الأول وبعده؛ إذ ترتفع نسب التعاطف مع الفلسطينيين في فئة الشباب خاصة، مقابل الأجيال الأكبر سنًّا التي بدت أكثر تعاطفًا مع الصهاينة. فالشباب يعتمدون بشكلٍ أكبر على مواقع التواصل الاجتماعيـ بينما يلجأ كبار السن إلى وسائل الإعلام التقليدية التي اعتادوا عليها. وهذا يوضّح بعضًا من الانقسام الحاصل في الشارع الغربي.
وإذا ما أخذنا الولايات المتحدة الأميركية عينةً مما نُشر، نجد في فئة الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 18 والـ 29 تأييدًا للفلسطينيين وحدهم بنسبة 28% مقابل 20% من المؤيدين للصهاينة وحدهم. أما الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 45 والـ 64، يؤيد 7% منهم الفلسطينيين بينما 48%منهم يدعم الإسرائيليين. وتتضح الفروقات أكثر عندما يؤيد الصهاينة 65% من الأميركيين البالغين 65 عامًا وما فوق. وهؤلاء هم الجيل الأكثر دعمًا للصهاينة والأكثر تعرضًا لوسائل الإعلام التقليدية الغربية المنحازة للكيان.
وتتشابه نسب الشباب الأميركي مع الشباب البريطاني، بينما تختلف مع الأجيال الكبرى، فالبريطانيون الذين تراوحت أعمارهم بين الـ 25 والـ 49، 50 و64، و65 وما فوق كانت فيهم نسب تعاطف مع فلسطين أكثر من الولايات المتحدة، وإن كان هناك اختلاف في تقسيم الأجيال الكبرى بين الفئتيْن، لكنه أظهر هذه الفجوة بشكلٍ أكبر.
الرأي العام الغربي لم يعد جاهلًا تجاه ما يحصل في غزة، فمواقع التواصل الاجتماعي نقلت الحقيقة، والشوارع التي امتلأت تضامنًا مع أهل غزة والقضية الفلسطينية، في مختلف الدول الغربية من الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا وبريطانيا وغيرها ترجمت فهم الشعوب الغربية لما حصل منذ 75 عامًا على أرضٍ تبتلع أعداءها وتحت سماءٍ ترميهم بسجيلٍ حارق، بانتظار تعبيرٍ سياسيٍّ في الانتخابات. أما الإعلام الغربي التقليدي؛ فقد بات في مأزق استعادة المصداقية، بعد تبنيه الدعايات الصهيونية الكاذبة وتبرير جرائمه التي كسرت كل قواعد العقل والأخلاق. لكن هذا الكيد البلفوري، والذي تجاوز الحدود، ارتدَّ سلبًا على أصحابه بعدما عبر صوت الحق الفلسطيني حدود كل القلوب والعقول.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري