لطيفة الحسيني*
إضرابٌ شامل من أجل فلسطين يحصل للمرة الأولى في العالم. لم تعُد التحرّكات المحدودة جغرافيًا تحصد النتائج المرجوّة في المواجهة المفتوحة مع العدو الصهيوني. المجازر تكبر، الإبادة تتوسّع، والإنسانية تُسحق على مرأى الدول والشعوب منذ أكثر من شهريْن.
كما جبهة الإسناد في الجنوب، سارع النقابيون في لبنان الى تلبية نداء دعم فلسطين ومقاومتها. إقفال تامّ لمعظم المؤسّسات التجارية والتعليمية والمصالح والمِهن المُختلفة، في خطوة مُوحّدة عنوانها "التجاوب مع الدعوة العالمية من أجل غزة، وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني ومع أهلنا في غزة وفي القرى الحدودية اللبنانية".
المِهن والنقابات في خدمة فلسطين
ماذا عن حجم المُشاركة؟ وكيف يؤثّر هذا الحراك المُستجدّ؟ مسؤول وحدة المهن الحرة في حزب الله الحاج حسن حجازي تحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن حيثيّات الإضراب، فقال "كلّ النقابات في لبنان استجابت للمناشدات الدولية الصادرة في الأصل من قطاع غزة ومن الناشطين في كلّ دول العالم"، وأضاف "نقابات المُحامين والمُهندسين والأطبّاء والصيادلة وخُبراء المُحاسبة وغيرهم أعلنوا سريعًا تلبيتهم للدعوة تحت عنوان التضامن مع الشعب الفلسطيني واستنكارًا لحملة الإبادة والمجازر التي يقوم بها العدو الاسرائيلي ومن ورائه الولايات المتحدة في غزة".
بحسب حجازي، استجابة الناس بشكل كامل مع هذه النداءات مُهمّة جدًا. على صعيد لبنان، هناك نقابات تدخل الى العُمق وتلبّي دعوات الدعم، فيما هناك نقابات تعتبرها محطةً، وهنا يأتي دورنا كمِهنيّين في النقابات على صعيد تفعيل حضورنا وأنشطتنا بشكل دائم.
ورأى حجازي أن "المطلوب اليوم من نقابة المُحامين كونها نقابة حقوق وعدالة أن يكون لها دورٌ في الادّعاء على المُجرمين الذين يُحطّمون أُسس العدالة والإنسانية"، وتابع "محامونا عليهم أن يكونوا بخدمتها، على غرار ما تقوم به نقاباتٌ أخرى في بلاد دول ثانية، وكذلك الحال بالنسبة لنقابة الأطباء التي لها دورٌ في مُتابعة ودعم ومساندة الأطباء في غزة الذين تعرّضوا لأقسى أنواع القتل والمجازر، فنحن معنيّون بشكل أساسي ومُباشر بهذه المعركة الدائرة في الجنوب وفي قطاع غزة" .
واعتبر حجازي أن "ميزة خطوة اليوم أنها موحّدة في كلّ دول العالم، وفي توقيت واحد، وهذا يستطيع أن يشكّل صدمة"، موضحًا أن "الحراك المُتفرّق لا يُعطي أحيانًا النتيجة المرجوّة، وإذا توحّدت كلّ القوى على الموقف نفسه، ستكون قادرة على أن تُحدث أثرًا أكبر لم تُحدثه التحرّكات في الأزمة المتفرّقة".
وتمنّى حجازي أن "يكون تحرّكًا مؤثّرًا بشكل أكبر وصوته أعلى ولا سيّما قُبيل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة غدًا، ولا سيما أيضا أن نبض الشارع والفعل المُقاوم هو الذي يترك أثرًا كما علّمنا التاريخ سابقًا ويُعلّمنا الحاضر أيضًا".
وبيّن حجازي أن "مندوبي وحدة المهن الحرة في حزب الله في النقابات يتواصلون مع النقابات الموجودة في دول أخرى لتفعيل هذا الحراك والتنسيق بما يُحقّق نتائج إيجابية بين الفعاليات والنُخب العربية المؤثّرة بين الناس، على غرار ما جرى سابقًا مع اتحاد المُهندسين العرب واتحاد المُحامين العرب لمواجهة العدوان في غزة"، معربًا عن أمله في هذه الشعوب والنُخب التي بإمكانها أن تُغيّر شيئًا".
الصوت يرتفع والسردية الصهيونية تتحطّم
أمين سرّ الحملة العالمية للعودة الى فلسطين ورئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع وعضو حملة مقاطعة داعمي "اسرائيل" الدكتور عبد الملك سكرية أشار من ناحيته الى أن "ما يجري اليوم نقلة نوعية في الحِراك الشبابي الداعم لفلسطين وهو تصعيدٌ بوجه الأمريكي والعدو الصهيوني ومُؤيّديه من الغرب والأنظمة العربية المُطبّعة معه".
وقال سكرية لـ"العهد" إن "التوقّف عن كلّ شيء اليوم وشلّ الحياة حول العالم من أجل فلسطين هو خطوة لرفع الصوت حتى يشعر كلّ مواطن أينما كان بأن هناك شيئًا خطيرًا يحصل ليُدرك عظيم ما يجري في غزة، وبأن هناك احتلالًا هو الأطول في تاريخ الاحتلالات وبأن هناك شعبًا يتعرّض لإبادة حقيقية وتطهير عرقي، ولا سيّما عبر تدمير المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد وقتْل موظفي الأمم المتحدة، وهذه كلّها جرائم تُحتّم على العالم أن ينتفض بوجه هذا العدو أنْ كفى إجرامًا بحقّ الأبرياء وأن عليه مواجهة المُقاومين بدل تشغيل آلة القتل".
وأكد سكرية أن "إضراب اليوم هو بمثابة لفت انتباه لتذكير العالم بما يحصل ليكون إنسانيًا وأخلاقيًا"، وأردف: "فلسطين هي القضية الإنسانية الأولى في العالم لذلك يجب التركيز عليها وإبرازها للرأي العام العالمي ليكون مسؤولًا فعليًا، وفي جزء منها بغرض مواجهة سردية العدو الصهيونية التي تزوّر الوقائع لصالح "اسرائيل" وهذا ما رأيناه في التلفيقات التي ساقها نتنياهو في هذه الحرب حول عمليات قتل أو اغتصاب قامت بها المقاومة الفلسطينية وتبيّن سريعًا كذبها".
ولفت سكرية الى أن "الهدف اليوم من هذه التحركات تحرير الرأي العام العالمي من احتلال السردية الصهيونية لكلّ شيء والتي سيطرت على العقول الغربية لفترات طويلة جراء نشرها على مستوى كبير وفي كلّ العواصم الغربية، فيما كانت وجهة النظر العربية مُغيّبة تمامًا".
وأشار سكرية الى "أننا اليوم نوجّه البوصلة بالاتجاه الصحيح ونستنهض الرأي العام الغربي وخاصة الناشطين وأصحاب الضمير الحيّ في كلّ الدول"، واصفًا النشاطات والوقفات التضامنية التي نُفّذت طيلة فترة الحرب والعدوان في مختلف العواصم بـ"الممتازة"، وأشار الى أن "هذا يدلّ على بداية التحوّل الواضح والملموس في الرأي العام العالمي، غير أن ذلك يحتاج الى مزيد من الوقت والمتابعة حتى يستمرّ ويدوم ويكون فاعلًا لدحض الرواية الصهيونية التي تحتلّ العقول الغربية".
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري