محمد باقر ياسين*
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل تحالف دولي للتصدي لما أسمته "هجمات الحوثيين في البحر الأحمر"، تحت مسمى "المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات"، والذي يضمّ عشرة بلدان وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا،كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النروج، إسبانيا، جزر السيشل والبحرين. وكان من المستغرب أن هذا التحالف لم يضمّ إلا دولة عربية يتيمة وهي البحرين، فلماذا غابت السعودية والإمارت عن هذا التحالف؟
هناك أسباب عدة جعلت السعودية تحجم عن المشاركة في التحالف الأمريكي مع أنها من داعمي هذا الطرح في السنوات الماضية. وأبرز هذه الأسباب تتلخص بالآتي:
-السعودية أنشأت، منذ ثلاث سنوات في 6-01-2020، تحالفًا يضمّ ثمانية دول تطل على البحر الأحمر؛ وهي: السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن. وخلال مؤتمر صحافي عقده فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، قال إن: "المجلس يهدف للتنسيق والتشاور بشأن الممر المائي الحيوي، في ظل تحديات متزايدة في المنطقة في إطار حفظ الأمن والاستقرار ومواجهة الأخطار المحدقة". وأضاف: "علينا حماية أمن الخليج والبحر الأحمر"، وبما أن السفن المتوجهة إلى الكيان المؤقت قد ضربت ومنعت من العبور من دون تطبيق السعودية لما أعلنه وزير خارجيتها بن فرحان، لذلك مشاركتها بالتحالف الأمريكي يعدّ إقرارًا من السعودية بفشل التحالف الذي تقوده في حماية الملاحة في البحر الأحمر.
- مشاركة السعودية في التحالف الأمريكي يعني نعيًا لاتفاق السلام الذي توصلت إليه مع اليمنيين، والذي يخرجها من المستنقع اليمني، والذي ما تزال غارقةً فيه منذ سنوات، والخروج هنا وفقًا لخارطة طريق متفق عليها مع صنعاء. فدخولها التحالف سيعيدها إلى العمليات اليمنية التي استهدفت العمق السعودي بضربات مؤلمة، وما يعني تاليًا إفشال مشروع "رؤية السعودية 2030"، وهذا لن تفرط المملكة به.
- المشاركة في هكذا تحالف سيضر بصورتها ومكانتها العربية والإسلامية، لأنها بكل بساطة ستقوم بضرب من يستهدف المصالح "الإسرائيلية" نصرةً لفلسطين، أي ستكون السعودية في هذه الحال تقف بشكلٍ واضح بصف العدو "الإسرائيلي" ولا يمكن أن تبرير هكذا موقف.
- تدحرج الأمور في البحر الأحمر قد يجر السعودية إلى الوقوف بوجه إيران والاشتباك معها، وبالتالي نسف كل التقارب الذي عمل الطرفان على إنجاحه بخطى حذرة.
- دخول البحرين هو بمثابة دخول غير مباشر للسعودية، كون النظام البحرين تابع عضوياً للمملكة ولا يشارك بأي شيء لا يكون بمباركتها.
أما الإمارات، فالمستغرب عدم دخولها لسببين أساسيين الأول علاقاتها الممتازة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني تطبيعها مع الكيان المؤقت، ما يجعل دخولها التحالف أمرًا بديهيًا. والاعتبارات التي دفعت الإمارات للتغيب عن هذا التحالف، هي:
- عدم مشاركة السعودية بالتحالف جعل الإمارات تعيد حساباتها؛ لأنها كانت تمنّي النفس بانضمام السعودية كي تكون هي إلى جانبها، وانضمام الإمارات بغياب السعودية هو أولاً تحدي للرياض التي تقود تحالف الدول المطلة على البحر الأحمر.
- دخول الإمارات بهذا التحالف يعني انتهاء الهدنة بينها وبين اليمنيين، وبالتالي عودة العمليات العسكرية اليمنية التي استهدفت الإمارات سابقاً. وهذا ما لا تريده الإمارات كونها لا تستطيع التصدي لهذا الضربات التي ستكون كلفتها غالية جداً.
- الخوف من تدحرج الأمور في البحر الأحمر ودخول إيران المعركة بوجه الولايات المتحدة الأمريكية، سيجعل من الإمارات مسرحًا لعمليات عسكرية للحرب بين الطرفين كونها داخلة بالحلف وكذلك كونها تضم قواعد عسكرية أمريكية.
لهذه الأسباب مجتمعةً، قررت كل من السعودية والإمارات التغيب عن التحالف الأمريكي، وعدم التورط في الانضمام إليه خشيةً من التبعات التي ستترتب على دخول هكذا تحالف، من مناوشات عسكرية يمكن أن تتدحرج إلى حربٍ طاحنة لا ناقة لها بها ولا جمل.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري