حرب الكيان الإسرائيلي على رمال غزة وأنفاقها دخلت مع نهاية شهرها الثالث في مصارعة أنواع من الملوثات الفطرية الغامضة والبكتيريا العنيدة المقاومة، بحسب تعبير رئيسة الاتحاد الإسرائيلي لأطباء الأمراض المعدية. وقد أصابت الجنود الذين جُرحوا في معارك غزة، وخصوصاً ممن بترت بعض أطرافهم.

أهي أوحال غزة الرملية، وقد اختلطت بدماء الجنود الممزقين في الشجاعية وخان يونس، فحولت جراحهم العميقة إلى عفن أم هي أمراض معوية نتجت من الطعام والأغذية التي وصلت إلى الجنود كتبرعات؟ تتساءل غاليا راهف، وقد أخذ الجنود الجرحى بإصابات غير حرجة يموتون بعد أيام من العلاج بسبب هذه الفطريات المقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية.

في بداية الشهر الثالث من الحرب الإسرائيلية على غزة، تداولت الصحف الإسرائيلية قصة البكتيريا الغامضة، وقد أدلت المستشفيات بدلوها. وبعد تفاقم الأزمة بين الناطقين باسم الجيش الإسرائيلي والمستشفيات على خلفية رفضها التقيد ببيانات الجيش حول عدد الإصابات في الجيش، ففي الوقت الذي يعلن الجيش عن عدد محدود، يعلن كل مستشفى عن العبء الطبي الذي تكفل به نتيجة استقباله أعداداً كبيرة من الجنود الجرحى، وفي ذروة هذه الأزمة المستمرة، تطرق الناطق باسم الجيش إلى موت الجنود المصابين في المستشفيات نتيجة ما وصفه بتفشي البكتيريا فيها.

هذا التفشي البكتيري بين الجنود المصابين في المستشفيات تطوّر مع نهاية هذا الشهر بالحديث عن نوع من الفطر القاتل، لأنه يتجدد بشكل ذاتي غامض لم تفلح معه كل المضادات التي تم جلبها من دول العالم المتخصصة في مكافحة الفطريات.

وفيما كان الجيش يلمّح إلى مسؤولية المستشفيات، ربما لليّ كتفها حتى تنصاع وتكف عن فضح أكاذيبه، وقد طال عليها الأمد، في ظل دخول الحرب في نفق طويل مظلم بما لم يعد يسمح لها بأن تحتمله وهي تعمل فوق طاقتها أضعافاً مضاعفة، يبدو أن الواقع تجاوز الجيش والمستشفيات لما هو التحدي الغزاوي الطبيعي في مكون جديد من مقاومته الفطرية المتصاعدة.

مشكلة الفطر والبكتيريا الغزاوية/الإسرائيلية ليست ذلك العامل الغيبي الإلهي الذي تتوق إليه نفوس المؤمنين، فهو قائم بالتأصيل منذ عبور السابع من أكتوبر في سياق عباد الله أولي البأس الشديد الذي يقاتلون حفاة. هل تذكرون مقاتلي القسام الذين تسللوا كالبرق إلى خيام قوات غفعاتي قبل أيام، ومقاتل السرايا الذي اقتحم معسكر ناحل عوز يوم السابع من أكتوبر، وكانوا جميعاً حفاة الأقدام؟

هذا العناق الطبيعي بين الأقدام الحافية الثابتة كالطود ورمل غزة وتربتها هو الذي يبدع المزيد من فصول الملحمة، ويجسد ملامح العامل الغيبي الإلهي، في معادلة القتال العجيبة المبهرة للعقول والمحيرة لكلّ صنوف إستراتيجيات القتال.

استحضار العامل البكتيري والفطري المقاوم، وهو يجْهز على المزيد من الجنود المصابين، وقد وصلوا إلى محاضن المستشفيات الإسرائيلية المتطورة طبياً على مستوى العالم، في وقت أحرق هؤلاء الجنود مشافي غزة اليتيمة، وهم يحاصرون مستشفيات جنين وطولكرم مع كل اجتياح، لا يأتي للقول إن قوى الطبيعة الخارقة تقاتل مع فرسان غزة ومغاويرها، إنما هو سياق الطبيعة التي خلقها الله لتنسجم بين مكوناتها بما يصنع الحياة، ولكنها الحرب الوحشية التي أخرجت كل مكون طبيعي عن وظيفته، فكيف لا تتحوّل مفردات الطبيعة في غزة، بحكم ذاتها العلمية، إلى فطريات عنيدة تفتك بالجنود وهم على السرر الناعمة وبين الأيدي الحانية؟

عناد هذه الفطريات وغموضها ومقاومتها لكل العقاقير هو تحدٍ علمي في زمن الحرب يواجه الإسرائيلي في نقطة ضعفه الأولى؛ خسارته البشرية، وهو يتجاسر في محاولة تجاهلها، حتى لو خرجت قوات غولاني عن الخدمة، وكأن هذا التحدي رسالة عجز للإسرائيلي لتضاف فوق الأطلال، بما يفاقم أزمة غزة وهي تستعصي على الحل وقد اشتدّت عقدتها، فكيف لشبح الموت المخيم على أرضها وشواطئها ألا يبتلع بقوة الطبيعة الموجوعة من ثقل دباباته ومدرعاته كل أنواع الكائنات الغريبة التي تدوس حبات رملها، وقد رأيناها حانية على الأقدام الحافية وهي تلفظ كل دخيل؟ 

10 جنود يصارعون الموت الآن، بحسب آخر تحديث، وصلوا إلى المستشفيات وقد فقدوا بعض الأطراف بعد إصابتهم على يد مكونات غزة البشرية المتدثرة برملها، والمتسللة من أنفاقها السائغة في بيئتها الرخوة. 

حالة جراحهم لم تكن حرجة في الأساس، ولكنها تتدهور مع كل مساء، بما يفقد الأطباء أعصابهم أمام عجز التغلّب على هذه الكائنات الغامضة المتعفنة والقادمة مع جراح الجنود من أوحال غزة، وهي تلاحقهم لتنال منهم في مخادع استشفائهم.

هناك حالة من الهلع مصاحبة لمعضلة فطريات غزة العنيدة، وخصوصاً بعد وفاة أول جندي جريح بسببها بالأمس، رغم أنه سبق لهم منذ أسبوع الإشارة إلى وفاة عدد من الجنود الجرحى بسبب بكتيريا تفشت في المشافي، بما يبعث على كثير من الأسئلة في واقع كيان مسلح بكل ما هو صناعيّ وتكنولوجي غير طبيعي.

ليس أول هذه الأسئلة سؤالاً عن الفرق بين الفطريات الجديدة والبكتيريا السابقة، وخصوصاً بعد ربطهما بتربة غزة، سواء في الوسطين الطبي والعسكري، وليس آخرها سؤال الشعارات الطائشة التي يطلقها مجلس عصابة الكابنيت، بحسب تعبير "معاريف"، بتعميق الحرب غزة، وقد أخذ العالم يضيق على "إسرائيل"، بما يعيد طرح سؤال الطبيعة وتحدياتها بصورة كائن فطري بكتيري أخذ موقعه في ساحة القتال، ليس في طين غزة وأوحالها، ولا عتمة واحد من أنفاقها المتهمة إسرائيلياً بالتسبب في تبلورها العلمينفاقها، ولكنه امتد حتى فخر مستشفياتها.

* نقلا عن :الميادين نت