لا أدري أي شيء جعل الناس يتطيّرون من الغراب حتى أصبح نعيقه صفارة إنذار باقتراب أجلٍ محتومٍ أو فراقٍ مؤكَّد!
الغرابُ كائنٌ لطيفٌ ومفكِّر..
لم أتشاءم من الغراب يوماً، فأنا أعتبره المعلم الأول للبشرية..
ألا ترون أننا مازلنا ندفن موتانا على طريقة هذا الغراب؟
هذا الطائر الأسود الذي يمشي على الأرض هَوْناً كزاهد أنهكته العبادة لا يشعر بالنقص كما يشعر به الطاووس الذي اجتمعت فيه كل الألوان حين يمشي في الأرض مرحاً..
وهل هذا الغرور إلا لصرف الأنظار عن قبح قوائمه الخلاسية التي تجعله يولول كلما رآها؟
بعث الله هذا الغراب كما يبعث الأنبياء والرسل...
ولأننا نسفه أحلام أنبيائنا -منذ أن بدأ التاريخ يأكل على جهلنا ويشرب- انتقمنا لعجزنا من الغراب ولم يحُلّ عقدة نقصنا أن تطيرنا به حتى هتفنا باسم قابيل كما يهتف متفرجو المصارعة باسم المصارع الأقوى!
قابيل كان أول قاتل مأجور يعمل مع نفسه.. أو مع الشيطان، لا فرق.
كان أول فنان يخربش في لوحة البشرية بدم أخيه الذي مازال يجري بيننا حتى اللحظة.
نحن نقدس الطغاة.. نسمي أبناءنا بأسمائهم لينالوا نصيباً منها.
أناس كثيرون يحملون اسم قابيل، بينما لم نسمع عن أحد يحمل اسم هابيل الضحية!
* نقلا عن : لا ميديا