محمد علي الحريشي*
دخلت اليمن مرحلة سياسية جديدة بامتلاكها تقنية تصنيع الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت التي يطلق عليها «الصواريخ الفرط صوتية»، هذا التطور العسكري الذي تحقّقه اليمن في زمن قياسي، لا شك أنه شكل مفاجأة غير متوقعة لأمريكا وكيانها الغاصب في فلسطين وكلّ الأنظمة التي تدور في الفلك الأمريكي.
تكمن أهميّة المنجز العسكري اليمني أنه كان خارج كُـلّ التوقعات والحسابات الأمريكية والغربية، لم تستشعر مراكز الأبحاث ولا دوائر الاستخبارات ولا توقعات خبراء السياسة في الغرب أن يصل اليمن إلى تلك المرحلة من القدرات التصنيعية في زمن قياسي يحتاج إلى إمْكَانيات مادية ضخمة، فكيف حدث ذلك في اليمن الذي لم يخرج بعد من حرب مدمّـرة أكلت الأخضر واليابس استمرت تسع سنوات وسط حصار اقتصادي مطبق، كيف حدثت تلك الطفرة العسكرية السريعة في بلد مثل اليمن.؟
منذ دخول اليمن في معركة (طُـوفان الأقصى) كطرف رئيسي في وجه العدوان الأمريكي الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وأمريكا تتجاهل جدية المواقف اليمنية؛ فهي بعنجهيتها وسلوكها السياسي الاستكباري كانت تقسِّم العالم العربي إلى قسمَينِ وهما:
أولاً: البلدان التي تدور في فلكها وتسمي هذا المحور بالدول العربية الفاعلة وعلى رأس هذه الدول مصر والسعوديّة فهي لا تعطي أي هامش من الحركة السياسية خَاصَّة فيما يخص الأوضاع في فلسطين إلَّا مع هذا المحور.
ثانياً: بقية الدول العربية كانت في التصنيف الأمريكي تسمى دولاً هامشية، لا تملك حق الرأي ولا تملك القول في مجريات الأحداث، بل صنفت الدول والقوى العربيّة والإسلامية التي تتخذ سياسات تتقاطع مع توجّـهاتها، بقوى متطرفة ترتبط بإيران وتنفذ أجنداتها، وتوجّـه في نفس الوقت الأنظمة العربية الموالية لها للقيام بمهام التصدي والمواجهة ضد تلك القوى في محور المقاومة.
لم تدرك أمريكا جوهر التغييرات التي حدثت في الواقع السياسي والعسكري في اليمن عقب مرحلة العدوان، ولم تعترف العنجهية الأمريكية أن اليمن هو الذي فرض معادلات واقع الهدنة مع النظام السعوديّ عام 2022، فرضها من واقع قوة عسكرية في مختلف الجبهات على أرض المعركة، وفرضتها الصواريخ التي دكت المراكز التي تغذي الاقتصاد الأمريكي في السعوديّة والإمارات.
تعاملت أمريكا بغرور مع اليمن منذ اليوم الأول لدخوله في خط المواجهة مع الكيان الصهيوني عقب (طُـوفان الأقصى)؛ لذلك تحَرّكت وهي مطمئنّة في تكوين تحالف عسكري بحري تخوف به اليمن لتبعده عن نصرة الشعب الفلسطيني، لكن الفشل والخيبة أوقعت العنجهية الأمريكية في أسوأ اختبار خاضته أمام دولة من دول العالم، تكشف ضعفها، فشلت محاولاتها بضم عدد من الدول العربية في ذلك التحالف الذي ولد ميتاً، كانت تلك اللحظات مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي الدولي المعاصر.
لا شك أن هناك قوى دولية تراقب الأوضاع وتدرس الواقع السياسي والعسكري الذي تمر به أمريكا بعد تورطها في الوقوف الأعمى مع الكيان الصهيوني، لم يكن إعلان إحدى الوكالات الإخباريّة الروسية عن امتلاك اليمن لصواريخ فرط صوتية إلَّا من باب التشفي في عدوها اللدود أمريكا، كان لذلك الإعلان الروسي الذي لا نظن أنه خارج عن تنسيق من نوع ما مع اليمن وموجه إلى أمريكا يعتبر ضربة قاضية لوجه الصلف والغرور الأمريكي، هذا ما أكّـد عليه عضو المكتب السياسي الأعلى لأنصار الله علي القحوم، في تغريدات له بعد ذلك أن هناك بناء علاقات بين اليمن وروسيا والصين ومنظومة دول «البريكس».
تناول قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- في خطابه عصر الخميس الماضي التطورات العسكرية اليمنية المتسارعة في البحر الأحمر والبحر العربي، الذي فجر في خطابه مفاجأة من العيار الثقيل أمام أمريكا وتحالفها الغربي وهو أن اليمن بات يفرض حصاراً على التجارة الصهيونية في المحيط الهندي وأن طريق رأس الرجاء الصالح أصبح محظوراً على السفن التجارية الصهيونية.
هذا الإعلان من قبل قائد الثورة اليمنية لا شك أنه قد أفشل المخطّطات الأمريكية والصهيونية في فلسطين وفي اليمن والمنطقة، ولم يعد للعدو الصهيوني أية مساحة زمنية يناور عليها ليحقّق أهدافه في القضاء على المقاومة الفلسطينية، هذا هو الهدف الذي أراد اليمن تحقيقه وهو هزيمة المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة، أما اليمن فَــإنَّه قد دخل مرحلة جديدة وقد اشتدّ ذراعه وسوف يكون لتلك الخطوة الآثار السياسية في المنطقة التي تجعل اليمن رقماً صعباً في المنطقة والعالم، وسوف تنعكس على كُـلّ المستويات لصالح الأمن والاستقرار في اليمن وفرض شروطه في معادلات وضع ما بعد مرحلة العدوان على اليمن.
هناك اليوم زخم جماهيري عربي شعبي عارم يؤيد اليمن ويقف إلى جانبه في مختلف البلدان العربية والإسلامية، المشروع الأمريكي البريطاني الصهيوني في المنطقة يلفظ أنفاسه بعد دخول اليمن عصراً جديدًا قلب فيه موازين القوى الدولية رأساً على عقب.
* المصدر: موقع صحيفة المسيرة