حين يمعنُ العدوُّ في الطغيان ويتجاوز الحد الممكن تصبح المعادلة صعبة التركيب، وقد تجبرك على خيارات أنت لا تفضِّلها، لكنك تجد نفسك مجبراً عليها حتى تحد من الطغيان وتردع الباطل؛ فللباطل مسارات أشدها وطأةً عَمَهُ الطغيان وغرور المال الذي قد يسلك المهالك من حَيثُ يظن السلامة والتمكين والسيطرة، وهذا الحال الذي عليه قادة السعوديّة مع أذيالهم من قادة المرتزِقة الذين يخدمون العدوّ بما يضر شعبهم ومجتمعهم؛ فالنصر لن يكون بالصغائر ولكن يتحقّق النصر بالانتصار لقضايا الناس والمجتمع والأمة، ولعل المرتزِق يدرك في قرارة نفسه أنه خائن وعميل، وأنه لم يقدم لمجتمعه وشعبه ما يمكن التعويل عليه لا على المستوى المادي ولا المعنوي، بل ترك الكثير منهم قصصاً وحكايات يندى لها الجبين وهم يتسكعون في العواصم والبارات والشاليهات، وينفقون أموال الشعب على المراقص والراقصات؛ مما عكس صورة غير مقبولة أخلاقياً ولا تمثل أهل اليمن في مروءتهم وشهامتهم وأخلاقهم ولا في عاداتهم وتقاليدهم ولا ثقافتهم، في حين رسمت صنعاء وسلطتها صورة مثالية في أذهان العالم، ولعل من يطوف في منصات التواصل الاجتماعي يدرك الفوارق من خلال حالة التفاعل لأحرار العالم مع صنعاء وسلطتها وقيادتها الثورية.
فالوطنية التي يدّعيها المرتزِق وطنية زائفة وغير ذات قيمة في ظل حالة الخضوع والهوان التي هم عليها، ذلك أن الوطنية الكاملة كما يقول البردوني: “تتجلى بشمول قضايا الأُمَّــة على أَسَاس وطني حتى يحس مواطن صنعاء أن احتلال الوديعة احتلال لنقم أَو ظفار، واحتلال سيناء احتلال لميدي أَو الحديدة واحتلال الضفة الغربية احتلال لتعز أَو باجل.. فمن توافر له هذا الإحساس المجيد فهو وطني كامل الوطنية.. بل هو الإنسان الكامل الإنسانية؛ لأَنَّ الرضا عن احتلال أي مكان يشجع العدوان على مد ذراعه الطويلة إلى كُـلّ مكان”.
ويقول البردوني في مقال له بعنوان: “الوطنية الكاملة” المنشور في كتابه “قضايا يمنية” ما نصه:
“قضية فلسطين مثلاً تعتبر قضية كُـلّ عربي أولاً، وقضية كُـلّ إنسان ثانياً..؛ لأَنَّ العدوان الذي احتل فلسطين يمكنه احتلال صنعاء والرياض، إذَا لم يتوفر الإحساس بالنضال، ويمتد جهد المقاومة، وعلى هذا فالوطنية الكاملة هي الإحساس بالمسؤولية عن قضايا الأُمَّــة عُمُـومًا من المحيط إلى الخليج؛ لأَنَّ فقدان جزء من الأُمَّــة يؤدي إلى فقدان بقية الأجزاء، والحرية لا تتجزأ كقضية”.
وهذا المفهوم في عمومه وفي خصوصه الذي ذهب إليه البردوني لا يليق إلا بالقيادة الثورية بصنعاء؛ فقد سعت إلى التكامل من خلال الانتصار لغزة وهي تواجه حرب إبادة وتجويع دون أن يتحَرّك الضمير العربي ولا المسلم، بل وقف الكل موقف المتفرج؛ فكانت صنعاء وقيادتها الثورية والفتية في مقدمة من يقاوم الطغيان سواء الطغيان الذي استهدفها وما يزال أَو الطغيان الذي يعتامُ فلسطين من شرقها إلى غربها دون أن يرفَّ جفنٌ أَو يندى جبين.
الوطنية الحقة تنشأ مع ميلاد كُـلّ ثورة، وتنمو حتى تصبح كاملة وتسعى إلى تحقيق إنسانية كُـلّ قُطر؛ لتحقّق إنسانية الأُمَّــة، وتسهم بالتالي في صنع الإنسانية وحماية حقوقها المشروعة، فالرأسمالية التي تفسد حياة الأمم إنسانياً وتحاول إفساد المجتمعات أخلاقياً وتسعى جاهدة إلى استغلال الشعوب وتهيمن على الثروات كغول إذَا لم تقاوَمْ بمبدأ الوطنية الكاملة ويقظة الهُــوِيَّات الثقافية والإيمَـانية قد تحول المجتمع الإنساني إلى غابة.
وحين يعلن قائد المسيرة القرآنية معادلة الوجود في مقابل سياسة التجويع والقهر فهو يدرك تمام الإدراك النتائج التي سوف تترتب على الخضوع، وحين تذهب المملكة إلى البغي والعدوان خدمة للصهيونية تصبح خيارات المعادلة لازمة وضرورية في كبح جماح الغول الرأسمالي الذي لا يرى للضرورات الإنسانية معنى إلا بما يتسق مع الطموح في ثنائية الهيمنة والخضوع؛ وهو أمر خارج أجندة صنعاء بل وتقاومه تحقيقاً لإنسانية الإنسان وحماية للحقوق.
وحين نقول حماية للحقوق فنحن نعي أن استهداف حياة الإنسان في اليمن من خلال حزمة الإجراءات الاقتصادية فذلك يعني بالمقابل مبدأ أن المساواة في الظلم عدالة وفق منطق الأشياء؛ فكانت معادلة البنك بالبنك والميناء بالميناء والمطار بالمطار هي الخيار الأمثل لبقاء الكل أَو فناء الكل؛ فالحقوق قضية كلية لا يمكن التعامل معها بعزل بعضها عن سياقها الكلي، وعلى السعوديّة -وهي من تقف وراء كُـلّ قضايا الاستهداف لليمن واليمنيين- أن تعيَ هذا المبدأَ وتدركَه تمامَ الإدراك؛ فأمريكا لن تكون ناصحاً أميناً للسعوديّة فهي تسعى وراء مصالحها ولا يعنيها من أمر السعوديّة سوى ما يتسق مع مصالحها وقد تتركها في العراء؛ كي تواجه مصيراً مجهولاً.
لقد آن الأوان أن تعيد السعوديّة حساباتها وتقوم بترتيب أوراقها وتعمل على تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في اليمن والفرصة بين يديها قبل أن تصبح طللاً؛ فخطاب قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، كان واضحًا وصريحاً، ولعل تجارب الزمن قد قالت لكل ذي لب الشيء الكثير.
*نقلا عن : موقع أنصار الله