الإمام الحسين من الشخصيات التي قُتلت مرتين وظُلمت مرّتين، فالظلم الأوّل كان عندما قتلوه، والآخر عندما سعوا في طمس أهدافه وتحريفها، فظلموه في عاشوراء وتكرّر الظلم في أكثر منها، فالإجحاف كلّ الإجحاف وقع بتعمية هدف الثورة الحسينية. وعلى الرغم من بقاء اسم الحسين إلا أنّ الذي غيّب هو الهدف الحسيني، إذن فهناك حسينٌ استشهد في حادثة التاريخ وحسين ظلّ يستشهد على مرّ التاريخ، وبعد دهس جسده الشريف دُهست أهدافه، فهذا من عدوّ مجرم وذاك من صديق جاهل.
نعم؛ لقد حملت عاشوراء في تاريخها ظلامتين ومصابين، أحدهما أبلغ من الآخر؛ ففي ظهيرة عاشوراء ظلم الإمام الحسين، وفي عاشوراءات لاحقة ظلم فكر عاشوراء الحسين، وأفرغت عاشوراء من محتواها وحُرّفت أهدافها، وإن كان في هذا الكلام غرابة على من لم يعرف عاشوراء أو عرفها ولم يطّلع على تاريخها، لكن إذا تصفّحنا التاريخ وقرأنا مصير عاشوراء سنتلمّس عن كثب مأساوية الواقع المرّ. حقاً لم يفد الشيعة بشكل مناسب من نتاج عاشوراء، ولم يطبّقوا مفاهيمها بصورة صحيحة، ولم يوظّفوا سلاحها في مقارعة الظلم، بل كان جلّ همّهم أن يقيموا على أحزانها ومراثيها وحسب، فيما هي مليئة بالعبر والشخصيات الرائعة التي يمكن استلهام أسمى دروس الحرية من سيرتها بما يضمن لنا تحرّرنا ونشر العدالة في كلّ مكان، فلو كنّا قد اقتدينا بعاشوراء -وحدها- لما دامت حكومة ظالمة في ربوع أراضي الإسلام. لكنّ الذي يدعو للأسف هو استبدال التاريخ حماسة عاشوراء بتراجيديّتها.
إن عاشوراءات التاريخ مليئةٌ بهذه المشاهد وغيرها ممّا يضرب الناس على رؤوسهم وصدورهم أو على رؤوس ووجوه إخوتهم فيها، في حين لم يطلقوا كلمةً واحدة بوجه الظالمين، إما لأنهم لم يعرفوا الظالمين أو لأنهم لا يجدون حاجةً في ذلك وهو الأسوأ، فيما المرجوّ من واقع عاشوراء تذكير الوجدان بالحسينيين واليزيديين في كلّ عصر ومكان، وعلى الأمة التي تحيي ذكرى عاشوراء أن تفكّر وتبحث في عاشورائها، أين الحسينيون وأين اليزيديون؟ وما الواجب عمله على كلّ فرد؟ وما هي وجهته؟ نصرةً لهذا الجانب ومناهضة لذاك، اقتداءً بسيرة الحسين في عاشورائه، وتكراراً لتلك الواقعة بجميع مفاهيمها وقيمها.
تجدر الإشارة إلى أنّ أحاديث الحسين كانت تنصّ على اسم يزيد تارةً، وعلى مثيله تارة أخرى، قال: «على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل يزيد»، وقال في موضع آخر: مثلي لا يبايع مثله. فأما ما ورد فيه الاسم صريحاً فهو مرتبط بعصره آنذاك، وأما ما كان على سبيل أمثاله فليس مختصاً بعصرٍ بل هو لكلّ الدهور، وليس ليومٍ واحد بل لكلّ الأيام، وهنا يرسم الإمام للعالم ملامحه المستقبلية تنبيهاً للأجيال القادمة؛ لأنّ الحديث إنما هو عن تكرّر يزيد واليزيديين تباعاً، وهو عن شخصية عامة وليس عن شخص بعينه؛ فحديثه عن كلّ من كان مثله في مواجهة من هو مثل يزيد، فلا ينبغي له الركون والتراجع، إذن فحديثه عن طريقٍ تحتاج إلى مواصلة، تلك الطريق التي لم تنته بعدُ ومازالت في طور التكامل، وهي التي كانت من قبل الحسين وستظلّ من بعده أيضاً تفتّش عن السائرين، بعبارة أخرى: في أيّ يوم وفي أي مكان يتسلّم الحكم شخص مثل يزيد سيكون ذلك اليوم يوم عاشوراء.