قال مديرُ مكتب الإرشاد بأمانة العاصمة، قيس الطل: إن الإمامَ الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- منذ قدومِه إلى اليمن عمل على إخماد الثأرات بين القبائل، ونشر الروحية الجهادية وتربية الناس تربية إيمانية عظيمة.
وَأَضَـافَ في حوارٍ خاص لصحيفة "المسيرة" أن الإمامَ الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- عمل على نشر العدالة بين الأرجاء، وواجَهَ الضلالَ والثقافاتِ المغلوطة والمنحرفة، مؤكّـداً أن الموقفَ المتميِّزَ والقوي للشعب اليمني تجاه غزة هو نتيجةٌ للارتباط الإيمَـاني القوي لليمنيين مع أهل بيت النبوة من أعلام الهدى، داعياً الجميعَ إلى العودة إلى سيرة الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- للاستفادة من علمه وتجاربه ومعرفة عظمته.
إلى نص الحوار:
- بداية ونحن في ذكرى قدوم الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- إلى اليمن، حبذا دكتورَ قيس لو أعطيتنا نبذةً عن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، وبالأخص لمن لا يعرف عنه شيئًا؟
هو الإمامُ الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عليهم السلام- وُلد في المدينة المنورة سنة 245هـ.
تربّى وتعلّم على يد أبيه وَأعمامه وَأبرزُهم محمد بن القاسم، من شاع فضله وَعرف علمه؛ فحاز أعلى مراتب العلم وبرز فيها، ولم يدركه أحد، وعرف آباؤه وأعمامه فضله على ما هم عليه من العلم فقدَّموه عليهم، وبايعوه بالإمامة وعمرُه خمسٌ وثلاثون سنة.
وقد بدأ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- التأليف وعمره سبعَ عشرةَ سنة، فألَّف المؤلَّفاتِ العديدةَ ومنها: كتاب الأحكام، والمنتخَب، والفنون، والمناهي والنهي، والبالغ المدرِك في الأصول، ورسائل العدل والتوحيد، وغير ذلك.
قَدِمَ إلى اليمن سنة ٢٨٠ هجرية فعمَّ الأمنُ والأمانُ، وعمل على نشر الوعي والثقافة الصحيحة وحارب الضلال والضالين والمفسدين والعملاء.
أحبه أهلُ اليمن وأحبهم وعاش بينهم حتى توفي في سنة ٢٩٨ هجرية، وضريحُهُ في صَوح مسجده المعروف في صعدة عامر بالزوار من كُـلِّ البلاد.
- ما العلاقةُ التي تربط أهل اليمن ببيت أهل النبوة "عليهم السلام" وما نتائج هذا الترابط في عصرنا الحاضر؟
الارتباطُ وثيقٌ ومتين بين يمن الإيمان والحكمة وبين أعلام الهدى من أهل البيت "عليهم السلام" وهذا الارتباط ليس من وقت الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كما تدَّعي الوهَّـابية التكفيرية، ولكنه منذ عهد رسول الله -صلوات الله عليه وَآله وسلم- فهم رجاله وأنصارُه وهم رجالُ وأنصار الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين في كربلاء وهم رجالُ الأئمة في كُـلّ العصور كما هم اليوم رجال وأنصار علم الزمان سيدي ومولاي عبدالملك بدر الدين الحوثي "يحفظه الله".
ونتيجة لهذا الارتباط الإيماني فنحن نشاهدُ المواقفَ المتميزة والقوية لشعبنا اليمني العظيم تجاه غزة ومواجهته لمحور الشر أمريكا و"إسرائيل" وبريطانيا ومن يقف معهم من صهاينة العرب.
- هل لك أن تخبرنا عن الأسباب والدوافع لقدوم الإمام الهادي من المدينة المنورة إلى اليمن؟
كانت اليمن ترزحُ تحتَ وطأة الفتن الداخلية والثأرات والمشاكل المفتعلة من قبل طواغيت خلفاء بني العباس الذين كانوا ولاةً على مناطق في اليمن، كما كان هناك نفوذٌ لبعض المشايخ والقوى السياسية، وكانت اليمن تعاني من انتشار الأفكار الضالة والفرق المنحرفة مثل الخوارج والقرامطة الذين ارتكبوا الفواحشَ والجرائمَ بحق هذا الشعب، فِرَقٌ منحرفةٌ دعمتها ونشرتها القوى النافذةُ في تلك المرحلة؛ بهَدفِ استهدافِ هُــوِيَّة الشعب اليمني واستهداف أخلاقه وتفكيكه وتمزيقه؛ لتسهُلَ السيطرةُ عليه.
تزامن هذا مع فسادِ خلفاء بني العباس والذي وصل إلى مستوى عبر عنه الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بقوله: (ألستم ترون حكم الكتاب معطلاً بينكم وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معدوم فيكم، ترتع أعداءُ الله في جني أموال المسلمين.. قد أمنوا من تغييركم عليهم ويئسوا من نكايتكم فيهم وبسطوا أيديهم عليكم وحكموا بحكم الشيطان) "يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ" حرموهم فيئهم واصطفوا مع ذلك أموالهم وأجاعوا بطونهم وأعروا ظهرهم وأضاعوا سبيلهم وأخافوهم على أنفسهم.. يحتفون أموالهم ويقتلون رجالهم ويمنعونهم النصف ويسومونهم الخسف.. قد جعلوا فيئهم بينهم دولاً وأولادهم لهم خدمًا وخولاً.. نهارهم دائبون في إخمال الهدى والحق وليلهم في التلذذ والطرب والفسق.. فراعنة جبارون، وأهل خيلاء فاسقون، إن استرحموا لم يرحموا وإن استنصفوا لم ينصفوا وإن خوّفوا لم يخافوا وإن قدروا لم يبقوا وإن حكموا لم يعدلوا وإن قالوا لم يصدقوا.. لا يذكرون المعاد ولا يرحمون العباد ولا يصلحون البلاد، رافضون معطلون للنكاح، مظهرون معتكفون على السفاح، المنكر بينهم ظاهر وأفعال قوم لوط أفعالهم، وأعمالهم في ذلك أعمالهم).
أمام هذا الواقع المزري لم يجد حكماء ووجهاء من حَـلّ إلا بالعودة إلى كتاب الله وعترة نبيه؛ فذهب وفد كبير إلى المدينة المنورة طالبين من أعلام أهل البيت -عليهم السلام- أن يختاروا أحدهم للمجيئ إلى اليمن لحل مشاكلها وَقيادة أهلها وَإصلاح ذات بينهم فوقع الاختيار على أفضلهم وأكملهم وَهو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- وما إن وصل الإمام الهادي إلى اليمن حتى بدأ بمهمته وبدأت بركات تحَرّكه القرآني تنتشر أمناً وأماناً وَاستقراراً وقوةً وَبناءً وجهاداً وتعليماً وتثقيفاً وَ... إلخ.
- ما أبرزُ ما قدمه الإمامُ الهادي إلى الحق -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- من جهود بعد دخوله لليمن؟
أبرز ما عمله الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- هو التصحيحُ الثقافي ومواجهة الضلال والثقافات المنحرفة والمغلوطة والتي هي سببُ الواقع السيِّئ دائماً؛ فعمل على نشر الوعي والثقافة الصحيحة من خلال خطبه ومحاضراته ومن خلال كتبه ومؤلفاته التي لا زالت تنير للناس ظلماتِ الجهالة وتكشف لهم عظمةَ الإسلام وحاجتنا إلى القرآن، ومن هذه المؤلفات والرسائل:
- كتاب تفسير القرآن- ستة أجزاء.
- كتاب معاني القرآن- تسعة أجزاء.
- كتاب التوحيد.
- كتاب المسترشد في أصول الدين.
- كتاب الرد على أهل الزيغ من المشبهين.
- كتاب الإرادَة والمشيئة.
- كتاب الرد على الحسن بن محمد الحنفية.
- كتاب تفسير خطايا الأنبياء.
- كتاب مسائل الحسين.
- كتاب بوار القرامطة.
- كتاب أصول الدين.
- كتاب الإمامة وإثبات النبوة والوصية.
- كتاب الرد على الإمامية.
- كتاب الرد على أهل صنعاء.
- كتاب الرد على سليمان بن جرير.
- كتاب البالغ المدرك.
- كتاب المنزلة بين المنزلتَينِ.
- كتاب الجملة.
- كتاب الديانة.
- كتاب فيه معرفة الله من العدل والتوحيد.
وغيرها.
كما عمل الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- على مواجهة المجرمين والطواغيت كالقرامطة الذين أفسدوا وأجرموا وسفكوا وانتهكوا وضلوا وأضلوا وتمكّن الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- مع رجال اليمن من دحرهم وهزيمتهم، وكذلك الحال مع قوى الفساد والإجرام الأُخرى والتي أقلقت السكينة العامة ونشرت الخوف؛ فاستطاع الإمام الهادي أن يقمعَهم وأن ينشُرَ الأمنَ والأمان في كُـلّ المناطق التي كانت تحت سيطرته.
كما عمل الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- على نشر الروحية الجهادية وتربية الناس تربية إيمانية عظيمة وراقية، وكان ينتقد أُولئك الذين يثبِّطون الناس ويخذِّلونهم عن الجهاد في سبيل الله، موضحًا أهميتَه وعظمتَه؛ فيقول -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-، وكان أفضل ما افترض الله عليهم، وجعله حجّـةً مؤكَّـدةً فيهم الجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن التظالم والمنكر.
ويقول -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-: (فأين بالجهلة العمين والعلماء المتعامين؟ كيف يقيسون شيئاً من أعمال العباد، إلى ما ذكر الله سبحانه من الجهاد، هيهات هيهات، بَعُد القياس، ووقع على الجهلة الالتباس).
ويقول -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-: (وكيف يجوز له الإقبال على صغائر الأمور من الصالحات، وهو رافض لأعظم الفرائض الزاكيات، وكيف لا يكون الجهاد أعظم فرائض الرحمن، وهو عام غير خاص لجميع المسلمين، وعَملُ من عمِلَ به شامل لنفسه ولغيره من المؤمنين).
ويقول -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في كلام أخطر مما سبق: (فليعلم كُـلّ عالم أَو جاهل، أَو من دعي إلى الحق والجهاد فتوانى، وتشاغل، وكره السيف والتعب، وتأوّل على الله التأويلات، وبسط لنفسه الأمل، وكره السيف والقتال، والملاقاة للحتوف والرجال، وآثر هواه على طاعة مولاه -فهو عند اللطيف الخبير العالم بسرائر الضمير من أشر الأشرار، وأخسر الخاسرين- أن صلاته وصيامه وحجه وقيامه عند الله بور لا يقبل الله منه قليلًا ولا كَثيراً، ولا صغيراً ولا كَبيراً، وإنه ممن قال سبحانه فيه حين يقول: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً).
ويقول الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-: (وكيف لا يكون الجهاد أعظم فرائض الرحمن، وهو عام غير خاص لجميع المسلمين، وعَملُ من عمِلَ به شامل لنفسه ولغيره من المؤمنين؛ لأَنَّ الجهاد: عز لأولياء الله، مخيف لأعداء الله، مشبع للجياع، كاس للعراة النياع، ناف للفقر عن الأُمَّــة، مصلح لجميع الرعية، به يقوم الحق، ويموت الفسق، ويرضي الرحمن، ويسخط الشيطان، وتظهر الخيرات، وتموت الفاحشات، والمصلي فَــإنَّما صلاته وصيامه لنفسه، وليس من أفعاله شيء لغيره، وكذلك كُـلّ فاعل خير فعله لنفسه لا لسواه).
كما عمل الإمام الهادي إلى الحق -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- على نشر الوحدة بين أبناء اليمن ونبذ الفرقة، وتجسد هذا في الأمن والأمان الذي انتشر ببركة جهوده المباركة، كما عمل على رفع مستوى المعيشة واتجه إلى تقوية الجانب الاقتصادي للشعب اليمني.
- ماذا عن علاقة المشروع القرآني للشهيد القائد بالإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-؟
المشروع هو مشروع واحد هو المشروع القرآني، وهذه المسيرة القرآنية المباركة ما هي إلا امتداد وبركة من بركات الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-، وأهل البيت -عَلِيْهِمُ السَّلَاْمُ- هم كالنجوم كلما أفل نجمٌ ظهر نجم، ويأتي العَلَمُ ليواصلَ مسيرَةَ العَلَمِ الذي سبقه، والجميع يحمل نفس القضية ونفسَ الهَــمِّ ويتحَرّكون بنفس المشروع الذي يهدف إلى تحرير الناس من الطواغيت ويعمل على تربيتهم وتزكيتهم وَحمايتهم.
- ما الذي تميز به مشروع الإمام الهادي؟ وما السمات التي اتصف بها -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-؟
تميز تحَرّك الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بعدة مميزات: أهمُّها أنه تمحور حول القرآن الكريم والنبي العظيم وكان يحرص جِـدًّا أن يقتديَ برسول الله "صلوات الله عليه وَآله وسلم" في كُـلّ صغيرة وكبيرة إلى مستوى أن يقول لن يغيب عنكم من رسول الله إلا شخصه ليعبر عن عظيم حبه واقتدائه بجده المصطفى "صلوات الله عليه وَآله وسلم".
كذلك تميز تحَرُّكُ الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بأنه استطاع أن يبنيَ دولةً إسلاميةً منظمة قوية في زمن لم يعرف فيه اليمن إلا الثأراتِ والعصبيات وَالانقسامات؛ وَتميزت هذه الدولة بملامح مهمة منها إقامة القسط والعدل والقضاء العادل وكان يقول مقولته الشهيرة: "والله ما هو إلا الحكم بكتاب الله تعالى، أَو الخروج من الإسلام، والله لو قام الحد على بني القاسم لأخذته منهم".
وفي هذا الجانب المهم نجد أن الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- قد:
- حدّد الشروطَ والمواصفاتِ التي ينبغي أن يكونَ عليها من يتولى منصبَ القضاء.
- حدّد للقضاة كيفية السلوك الذي يجب أن يتحلوا به ويلتزموه في مجالس القضاء.
- بيّن لهم كيفيةَ التعامل مع الناس خارج مجلس القضاء.
يقول الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في كُـلّ ذلك: "ولا ينبغي للقاضي أن يقضي بين المسلمين وهو غضبان، ولا أن يقضي بينهم وهو جائع شديد الجوع، ولا ينبغي له أن يسلِّمَ على أحد الخصمين سلاماً لا يسلمه على صاحبه وإن كان له صديقاً؛ لأَنَّه إذَا فعل ذلك أفزع خصم صديقه وأخافه، وينبغي له أن يساوي بين مجالس الخصمين، ويبدأ بالضعيف على القوي فيسمع كلامه وحجته، إلا أن يكون القوي هو المستعدي على الضعيف، فإن استويا بالخصومة بدأ بالضعيف، كذلك يفعل في النساء والرجال، ولا ينبغي له أن يقضيَ وقلبه مشتغل في شيء آخر، ولا ينبغي لأحد أن يطلب القضاء أَو يسأله ويحرص عليه؛ لأَنَّ خطره عظيم".
ويقول في موضع آخر: "ينبغي للقاضي إذَا تقاضى إليه خصمان ألَّا يقضي لأحدهما حتى يسمع كلام الآخر، ويفهم معناهما ويتثبت في حججهما، وفي ذلك ما بلغنا عن رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- أنه قال لعلي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-: (إذا تقاضى إليك خصمان فلا تقض للأول حتى تسمعَ كلامَ الآخر).
وقال مبينًا شروطَ من يتولى القضاءَ من المسلمين: "يحتاجُ القاضي أن يكونَ عالماً بما يقضي، فهماً بما ورد عليه، ورعاً في دينه، عفيفاً من أموال المسلمين، حليماً إذَا استجهل، وثيق العقل، جيد التمييز، صليباً في أمر الله، فإن نقصَ من هذه الخصال شيء كان ناقصاً".
ويقول أيضاً: "ينبغي للقاضي أن لا يخوضَ مع الخصم في شيء من أمره ولا يشير عليه برأيٍ إلا أن يأمُرَه بتقوى الله ومحاذرته، وترك الظلم في جميع أمره، وإنصاف خصمه فقط".
وكان -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- مع ذلك يباشر القضاء بنفسه، فكان له يومٌ يجلسُ فيه للنظر في المظالم والاستماع للناس فيقضي بينهم، ويأمُرُ بإنصافهم ممن ظلمهم وأخذ حقوقَهم.
كذلك تميزت دولةُ الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بالعمل على تقديم الخدمات الناس وبالتعاون مع المجتمع وما نسمِّيه اليوم بالمبادرات المجتمعية، وفي مقدمتها الاهتمام بالتربية والتعليم وَالعناية بالطرقات وَالإنارة وَالمحافظة على القيم والأخلاق وَالعناية حتى بالسجون وَتوزيع المساعدات للفقراء والمساكين وما يسمى اليوم بالضمان الاجتماعي وكان ينادي المنادي بعد صلاة الجمعة، أين الفقراء أين المساكين أين أبناء السبيل؟ أين... إلخ.
كما تميزت دولة الإمام الهادي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بالاهتمام بالجانب الاقتصادي، وحقّقت فيه نقلات نوعية وازدهارًا كبيرًا ظهر في سك العُملة اليمنية داخلياً وكانت تسمى بالدينار العلوي، كذلك تمثل هذا الازدهار في ضبط الإيرادات وتوزيعها وفق تعليمات الشرع الإسلامي وفي المقدمة تفعيل فريضة الزكاة وتوزيعها على مصارفها الثمانية؛ مما حقّق نهضةً اقتصادية كبيرة.
- وماذا عن مواقفه في مواجهة الظالمين؟
أما عن جهاد هذا الإمام العظيم؛ فالكلام لا ينتهي؛ فقد كانت حياته كلها جهاداً في سبيل الله، ومع أنه بقي في اليمن أربعةَ عشرَ عاماً إلى أن توفيَ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- إلا أنه خاض أكثرَ من سبعين معركة في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل وَإنقاذاً للناس من خطر القرامطة الذين أعلنوا كفرَهم بالله وبرسول الله وَعاثوا في الأرض فسادًا، وَنال أهل صنعاء بالذات منهم الكثير من الكوارث والجرائم كما عمل الإمام الهادي على مواجهة القوى النافذة التابعة والعميلة لخلفاء بني العباس والتي عملت على إذلال واستعباد الناس وَتمزيقهم واستهدافهم بكل الوسائل، ومع هذا فقد كان الإمام -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- يحرص على إبلاغ الحُجّـَة قبل أية معركة فيعمل على نصحهم وَإرسال الوفود إليهم؛ حرصًا منه على حقن الدماء ولا يدخل معركة إلا بعد أن تفشلَ المحاولات كلها، وهذا ما يعمله السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- دائماً.
- كلمةٌ أخيرة؟
أدعو الجميعَ إلى العودةِ إلى سيرة هذا الإمام العظيم للاستفادة من علمه وتجاربه ومعرفة عظمته، وَكذلك أدعو وسائل الإعلام المختلفة إلى تسليط الضوء على هذه الشخصية العظيمة التي تتعرض إلى هجمات كثيرة تشويهية من قبل الوهَّـابية التكفيرية، ومن المهم أن يعرفَ الناسُ عظمةَ وعلمَ وَجهادَ ورؤيةَ وَجهودَ هذا الإمام العظيم وَأن يعرفَ الناسُ أن مسيرتَنا القرآنية اليوم ومواقفَنا المشرِّفةَ تجاه غزةَ ما هي إلا بركةٌ من بركات الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-.