كنا قد اتفقنا في مقال سابق منشور بتاريخ 24/4/2019 على اعتبار ما ورد في الحوار التليفزيوني الأول للسيد عبد الملك الحوثي مع فضائية المسيرة اليمنية، إطارا عاما لمبادرة سلام تضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بما تقبله صنعاء وما ترفضه وما يمكن التفاوض بشأنه سواء مع الشرعية أو مع التحالف العربي أو المبعوث الإنجليزي الدولي في الأزمة اليمنية .
ملخص المبادرة كان وما يزال تحت عنوان لم يتغير منذ بدء عمليات التحالف العسكرية والعدوان على اليمن في مارس 2015 ما لم يحصلوا عليه بالحرب لن يحصلوا عليه بالتفاوض ، وظل هذا الشعار مرفوعا في صنعاء العاصمة والمحافظات التي تخضع لسلطتها حتى هذه اللحظة ، وعلى الطريق منذ بدء الحرب حتى إعلان مبادرة سلام مرة أخرى انهارت أحلام التحالف والمرتزقة في الوصول إلى صنعاء أو احتلال صعدة أو السيطرة على الحديدة ، كما تم وأد فتنة علي صالح وضجة حجور وغيرهما من الأحداث الصغيرة نسبيا مقارنة بالعدوان والحصار والجرائم الانسانية التي ترتكب بحق الشعب اليمنى سواء في الشمال أو الجنوب أو حتى في سقطرى . وعلى نفس الطريق منذ بدء اغتيال اليمن عمليا في مارس2015 جرت مفاوضات في عواصم عربية وأخرى أوروبية لم تسفر عن شيء اللهم نتيجة واحدة ، المرتزق ظل مرتزقا وليس لديه فرصة للتراجع ، والصامد ظل صامدا لأنه أيضا لا يمتلك رفاهية التراجع .
قتل من قتل ومات جوعا ومرضا من مات ويعيش محاصرا من يعيش ويتنعم بارتزاقه وخيانته من يتنعم ، ولكن ورغم كل ذلك فان الحال لم يبق كما هو عليه .، رغم أكاذيب العربية واسكاي نيوز المفضوحة ، ورغم حجم الإنفاق العسكري المهول من جانب السعودية والامارات على حرب رأيناها خاسرة قبل أن تبدأ لأسباب موضوعية تاريخية وعسكرية كانت من أوضح الواضحات ، ولكن غرور القوة والاستكبار والاستقواء بالخارج والخداع الإعلامي العالمي والعربي المستأجر حجبت الرؤية فحدث ما توقعناه ، ليتحقق في النهاية ما ذهبنا إليه ( الأرض بتلعب مع أصحابها ) فما بالك لو أن أصحاب هذه الأرض يمنيون تيهودوا وتنصروا وأسلموا وعاشوا فيها وعمروها قبل آلاف السنين .
إذا عدنا لحوار السيد عبد الملك مع فضائية المسيرة وهو مرجعنا في هذا المقال سنجد من بين إجاباته عن الاستعداد العسكري لمرحلة قادمة أنه أشاد بالقوة البحرية ومدى جهوزيتها لأية احتمالات ، أما قبل ذلك فكان دائما ما يشيد بأداء القوة الصاروخية والصمود على الجبهات البرية ، ولكن أن يؤكد هذه المرة على القوة البحرية أولا فهذه إشارة لشيء كان يجرى الإعداد له في صمت ، وكعادته يكون صادقا وكعادة مقاتليه فأنهم لم يخذلوه أبدا ، وكعادة أنصاره في كل مرة ينتظرون منه مفاجأة .
ومن هذه النقطة وأعنى بها جهوزية القوة البحرية تأتى مفاجأة إعلان سلطة صنعاء الانسحاب من موانئ الساحل الغربي تحت إشراف الأمم المتحدة ومن جانب واحد لتصيب شرعية هادي منصور والجماعات المسلحة المرتهنة بالهلع ، للدرجة التي تصيب أي متابع بالدهشة ، فبينما صنعاء سعيدة بإعلان الانسحاب ، فان من كانوا يطالبون بذلك يتملكهم الغضب ، وبينما تخرج تصريحات من ممثلي الامم المتحدة لتشيد بقرار صنعاء فإذا شرعية هادي ومخزون عفاش لا يعجبهم المباشرة في تنفيذ الانسحاب فعلا دون علمهم ودون رغبتهم ودون أدنى احترام لهم سواء من جانب الحوثي أو من جانب الأمم المتحدة ، والذى يؤلمهم أكثر أن يتعامل إعلام العربية وسكاي نيوز مع الخبر وكأنه وقع في أمريكا الجنوبية .
في غرب اليمن ينسحب الجيش واللجان وفقا لمرجعية استوكهولم ،ويبدو أنهم قد فعلوا ذلك من منطق القوة بعد تأمين استراتيجي لا يسمح بكسر التوازن الذي خططوا له ، ولكن في الشرق يحقق الجيش واللجان في ساعات محدودة معجزات كبيرة جدا في الضالع مثلا لا يجيد إعلام صنعاء الترويج لها ، بحيث يتأكد أن الشرعية والجماعات المسلحة الارتزاقية تنهار بالفعل أمام مقاتلين حفاة بلا دبابات ولا طائرات .. الانهيار العسكري ليس أقل من الانهيار السياسي بحيث أصبحوا يتلاومون ويتبادلون الاتهامات بالخيانة والعمالة للحوثي ، ولم يعد أحد يسمع مثلا عن مجلس نواب سيئون ولا حكومة عدن فكلهم يتعرضون لاحتقار وتقريع السعودي والإماراتي اللذين ألقيا أموالهما وسلاحهما بين يدي قيادات مرتزقة ومغرر بهم فقراء .
ليس بعيدا عما يجرى في الإقليم ذلك القرار الاستراتيجي لسلطة صنعاء بالانسحاب من موانئ الساحل الغربي ، فترامب الذى ما زال متمسكا بتسليح السعودية رغم رفض الكونجرس ، ما زال في انتظار مكالمة تأتيه من طهران عبر وسيط أوروبي ، ويقول إنه حريص على مصلحة إيران صداقتها ، بينما خامنئي يسحقه قائلا : لن تكون هناك حرب ولن تكون هناك مفاوضات ، أما أشقاؤنا العرب فبعضهم يحلم بأن تقاتل أمريكا في إيران من أجلهم ، وبعضهم يحلم بأن تنهي إيران العصر الأمريكي من أجلهم ، ويبدو الفريقان كمن يتخبطه الشيطان من المس ، لا إلى هذا ولا إلى ذاك ، كعادتهم يمولون الحروب ثم يمولون إعادة الإعمار ، بينما تقف صنعاء عبدالملك الحوثي والذين معه ، على الحقيقة كما هي ، لن يحك جلدك مثل ظفرك.