خلال وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج قبل عامين قال عبد ربه منصور هادي ساخرا من جماعة أنصار الله : إنني أخاطبكم وجها لوجه , مقلدا مراسل قناة العربية البحريني محمد العرب الذى اشتهر بمقولته نحن هنا أين انتم ؟ ولكن هادى نطقها باللغة الإنجليزية الهادويةwe are here where you are? فخرجت من بين شفتيه (زى السكر ) كما يقول المصريون.
تذكرت هذا المشهد وبحثت عنه على مواقع التواصل حتى وجدته وشاهدته عشرات المرات بينما أنا مستغرق في الضحك على نطق الرئيس هادي للحروف سواء العربية أو الإنجليزية , ولا أعرف كيف اعتبر نفسه وجها لوجه مع الحوثي بينما هو في واشنطن ولم ترفرف أعلام تحالفه على مران بعد .
بالأمس أصدر المبعوث الدولي إلى اليمن بيانا ينفى فيه أي دور له في نقل السفير الإيراني إلى صنعاء , ومن الغباء أن تسأل الآن كيف وصل السفير حسن ايرلو إلي صنعاء في ظل الحصار المطبق علي اليمن ؟ بل من المفترض أن تحزن لأنه وصلها قبل أي مندوب عربي ولو حتى موظف من جامعة الدول . فلا الحوثي سيقول كيف حدث ذلك , ولا الأمم المتحدة ستجرى تحقيقا حول هذه الواقعة . والكرة الآن في ملعب الدولة السعودية التي تلقت صفعة مخابراتية منحت الشعب اليمنى (والذين معه) ثقة إضافية لتلك التي اكتسبوها في معاركهم الأخيرة العسكرية والسياسية . أما إيران وعلى لسان سفيرها في صنعاء فتقول للتحالف وللأمريكان ولكل من دعم العدوان على اليمن بالمشاركة أو بالصمت : نحن هنا أين أنتم ؟ !
في لقاء مع إحدى الفضائيات سألتني المذيعة عن تصوري لعملية تهريب السفير الإيراني وكيف تمت , فكانت إجابتي هذا سؤال لا أحد سيجيب عنه إلا السفير نفسه وهو بالتأكيد لن يجيب لأنه لن يسأل .
رغم أن هذه الواقعة قد تكون الأولى في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الدول , إلا أن الجميع تعامل معها بفتور يكاد يكون مريبا , للدرجة التي يمكن أن نصدق معها أنه تم نقل السفير الإيراني إلى صنعاء بمعرفة الإمارات والسعودية ليكون وسيطا في عملية التفاوض الجادة حول إنهاء الصراع في اليمن , وقد تأكد لجميع المراقبين السياسيين حول العالم أن الشهور الثلاثة القادمة ستشهد إنهاء كافة الصراعات المسلحة في المنطقة العربية كلها بأي شكل من الأشكال وبأي طريقة ممكنة .
وجهة النظر هذه يدعمها توجه واشنطن نحو تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية بكل السيل المتاحة وباستخدام كافة الضغوط الممكنة وغير الممكنة . كما يدعمها التوجه الغربي الرسمي نحو خوض حرب صليبية على الديانة الإسلامية لتغيير المفاهيم والمعتقدات التي لا تتوافق مع تقاليد الفكر الغربي المعاصر , والتي بدأت نذرها على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذى يرى أن الإسلام كديانة يواجه مشكلة .
كما يدعمها تحقق وجهة النظر الأمريكية حول الصراع في اليمن حيث تعتبر نفسها قد نجحت – من وجهة نظرها – في خلق حزب الله آخر على حدود السعودية , رغم أن هذا التوجه يتناقض مع عقيدة صنعاء بأن العدوان أمريكي وبأن دول التحالف ما هي إلا مجرد أدوات , ويتناقض مع رغبتها في يمن موحد ومستقل وصاحب قرار في قضايا المنطقة , خاصة الصراع العربي الإسرائيلي , وليس حديقة خلفية لدول الخليج ينتظر المعونات والمساعدات .
في تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت رؤيته أن يتم منح الحوثيين حكما ذاتيا في مناطقهم لإنهاء الحرب في اليمن , ولذلك وقفت واشنطن وبريطانيا ودول التحالف على ساق واحدة عندما وصل الجيش اليمني واللجان الشعبية ( الحوثيون ) إلى أبواب مأرب , كما حذروا دائما من تمددهم في الساحل الغربي , والذى فهمه المراقبون على أنه وقف اطلاق النار عند هذا الحد , وهو ما نراه حتى الآن , إذ أن كل الأنباء التي ترد من اليمن تؤكد وقف المواجهات لحين إشعار آخر .
هذا ما تصورته أمريكا ترامب لإنهاء الصراع في اليمن , فماذا ستكون عليه حال المناطق خارج سيطرة الحوثي ؟ ستكون كما تراها الآن مشيخات وسلطنات ومناطق نفوذ قبلية في محافظات تخضع للسعودية شرق اليمن, وانتقالي يحرس مصالح الإمارات وإسرائيل في الساحل الجنوبي وحراس جمهورية يحرسون القواعد الأجنبية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر , ويهددون ميناء الحديدة رئة صنعاء على العالم الخارجي , أما الشرعية فتظل كما خططوا لها , باطل يراد به باطل , حتى يتم إقرار دستور الأقاليم الذى يمنح كل منطقة ما يشبه حكما ذاتيا وفقا للتصور الأمريكي -السعودي -الإماراتي .
قبل يومين وعلى فضائية الجزيرة التي تتلاعب بالجميع , خرج نائب رئيس مجلس النواب اليمني عبد العزيز جباري ليعلن رغبة الشرعية في النزول من فوق الشجرة , وأنها ليست ضد الحوثيين كفصيل يمني ولكنها ضد أي محاولة للسيطرة على البلاد بقوة السلاح. ويضيف أن الحوار مع الحوثيين وتقاسم السلطة أمر ممكن .
فهل تصدق التوقعات بشأن إعلان قريب لوقف عمليات التحالف في اليمن ووقف إطلاق النار في خطوط المواجهات الممتدة من الساحل الغربي حتى مأرب ؟ وما هو شكل المفاوضات المتوقعة بين الفرقاء؟ وعلام سيتفاوضون ؟ وهل سيقبل أنصار الله تحت ضغط الحصار والقطيعة بهذا المخرج ؟