في صبيحة يوم السبت الموافق الـ14 من أيلول/ سبتمبر 2019م هزّت الانفجارات المُرعبة عدداً من المنشآت والمصافي التابعة لشركة أرامكو السعودية العملاقة الواقعة في المنطقة الشرقية لحدود المملكة العربية السعودية (مصافي بقيق وخريس (وخريص))، وبمجرّد اندلاع ألسنة اللهب وتصاعد أعمدة الدخان ووصولها إلى كَبد السماء من موقع الاشتعال، حينها لم تستطع السلطات الأمنية السعودية حجبَ الخبر المُفزع وإخفاء المشهد كعادتها عند حدوث أمر كهذا طيلة زمن المواجهة المسلحة بين اليمن وسلطات المملكة السعودية مُنذ بدء العدوان على اليمن في صبيحة يوم الخميس في الـ 26 من آذار/ مارس 2015م.
وقبل أن يعلن الأخ العميد يحيى سريع الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية الخبر رسمياً، اعترفت السلطات الأمنية الرسمية في السعودية بحدوث الواقعة بشكل مخفّف محاولةً تبسيط الأمر ومعتقدةً بأن الأمور سيجري إصلاحها في غضون ساعات. وبعد ساعات تبين أن الطائرات والصواريخ اليمنية قد شلّت جزءاً مهماً من نشاط تلك المنشآت النفطية، وأنها تحتاج إلى أسابيع وأشهر حتى تستطيع أن تعاود نشاطها بشكل يعيدها إلى سابق عهدها.
بعد أن أعلن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية الخبر بشكل واضح لا لَبْسَ فيه بأن هناك فوجاً مباركاً من الطائرات اليمنية المسيّرة قد انطلق من مرابضه في اليمن وعدده عشر طائرات وصلت إلى أهدافها المحددة بدقة عالية وأصابتها إصابة مباشرة، وأن هذا الهدف الاقتصادي العسكري ما زال ضمن بنك الأهداف التي قد يعاود الجيش اليمني تكرار استهدافه مع أهدافٍ أُخرى..
من هذه اللحظة بالذات هاج وماج العالم كله، وبالذات الدول الصناعية الكبرى وحتى الصغيرة منها في الشرق والغرب، مُعظمها بعث ببرقيات وبرسائل التهديد والإدانة والوعيد ضد المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني في الجمهورية اليمنية — صنعاء، لتقول لهم إنكم ارتكبتم خطأً جسيماً لن نسامحكم عليه، وفي اللحظة ذاتها بعثت برسائل التضامن الإنساني والأخوي شبه (المطلق) إلى المملكة العربية السعودية وقادتها تجاه ما حدث.
كيف نفهم الصورة تجاه ما حدث وتبعاته على الاقتصاد داخل المملكة السعودية وأثره على الاقتصاد العالمي برمته:
أولاً:
تُعتبر شركة أرامكو دُرّة المؤسسات الاقتصادية والصناعية، وربما تُعدّ العمود الفقري للاقتصاد السعودي برُمّته وتؤمن للسعودية 90% من تمويل موازنتها السنوية التنموية والاجتماعية، وهي أداتها الفاعلة الوحيدة في تمتين وتطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدول الصناعية الكبرى.
ثانياً:
المملكة السعودية واقتصادها الكليّ وعلاقاتها المحلية والخارجية قائمة على توظيف فائض الثروة النفطية الهائلة، فإذا ما تأثر هذا القطاع النفطي المهم سلباً، فستتأثر معها علاقاتها، فتصبح المسألة قضية وجودية مطلقة، لأنها قائمة مُنذ التأسيس على الحفاظ على تنامي تأثير الذهب الأسود.
ثالثاً:
السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي هي قائمة بفعل وتأثير الحماية من قبل قوات المارينز الأمريكي، وحضور الأخيرة إلى السعودية يتطلب تمويل هذه الحماية. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقولها من دون حياء مراراً: إن وجودنا يحميكم ولهذا عليكم الدفع مقابل الحماية، فكيف لو أن هذه الثروة تعرّضت للاستهداف المستمر؟
رابعاً:
أعلن وزير الطاقة السعوديّ بعد يوم واحد من الهجوم أن تأثير الانفجارات والحرائق كان كبيراً وأن إصلاح المنشآت المتضررة يحتاج إلى أسابيع وأشهر، وقد توقف إنتاج وتصدير ما يقارب 5.700.000 برميل نفط يومياً (خمسة ملايين وسبعمئة ألف برميل)، أي توقف أكثر من 50% من الصادرات اليومية للسعودية من النفط، فكيف سيصبح الأمر حينما يتكرر استمرار استهداف وقصف بنك الأهداف الذي تمَّ الإعلان عنه من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية؟ وبطبيعة الحال لن يتوقف إلاّ بتوقّف حرب العدوان والحصار على اليمن.
خامساً:
ربطت الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ مطلع السبعينيات من القرن العشرين، سعر الدولار بحجم الإنتاج من النفط العالمي، وبالذات السعودي (البترو دولار)، ولذلك فإن أمر الاستهداف المباشر لشركة أرامكو سيؤثر بشكل ما على اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية والاقتصاد العالمي برمّته، وخاصة أنه يعيش بداية مرحلة ركود اقتصادي خطير جرّاء الحرب التجارية المُعلنة بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية.
سادساً:
تعرف الولايات المتحدة الأميركية جيداً وحليفاتها من الدول الغربية أن قدرات الجيش اليمني واللجان الشعبية تتصاعد بشكل تدريجي خلال هذه الفترة، وأن كل ما يتم الإعلان عنه من تطوير وتحديث للأسلحة الهجومية للقوة الصاروخية والطائرات المسيّرة هو واقع ملموس، وأن العقل اليمني هائل التأثير والعطاء، والقرار السياسي المُتّخذ بمواصلة سياسة الردع العسكري للضرورة القصوى، وأن بنك الأهداف المحددة من قيادة الجيش اليمني سيستمر في استهدافه وفقاً للزمان والمكان. إذاً هدف الغرب عموماً وضع السعودية في موقع “كش ملك”، وإلا كان بإمكانهم إنقاذها وإنزالها بشكل آمن من على قمة الشجرة.
سابعاً:
تابع الرأي العام العالمي أحراره وعبيده (فكراً وسلوكاً) حجم النفاق الهائل وفائض الكذب والتدليس الذي قيل من قبل قادة الدول العربية والإسلامية والأجنبية التي تضامنت وتعاطفت مع المملكة العربية السعودية حينما ضُربت مصانع ومشاغل أرامكو النفطية، لكن في المقابل استاء اليمانيون (اليمنيون) الأحرار لأنهم لم يلمسوا شيئاً من ذلك التضامن والتآزر معهم حينما تمّ قتل أبنائهم وذويهم في مدارسهم ومستشفياتهم ومصانعهم وفِي الطرقات العامة وفِي منازلهم الآمنة في أثناء نومهم وفي مساجدهم في أثناء أدائهم فرائضهم وفي صالات أفراحهم وحتى في قاعات عَزائهم وأحزانهم، ولَم يسلم السجناء القابعون في سجونهم، جميعهم لم يسلموا من القصف والتدمير. اليمانيون (اليمنيون) يتساءلون بألم وحسره، أين هي المعايير الأخلاقية والدينية والإنسانية في فهم ما يحدث؟!، وبعد سقوط ورقة التوت التي أضاعت كل مفردات حقوق الإنسان والتغني بها.
الخلاصة:
أليسَ من غرائب الدهر أن لا تتمّ حتى مساواة المعادلة المُرعبة والخطيرة، بأن قطرات الدم لا تساوي شيئاً أمام قطرات البترول التي تعني للعالم (المتحضّر) الشيء الكثير، ولذلك فقد قرر الشعب اليمني بقيادته العسكرية والسياسية والروحية بعزم لا يلين أن يواصل مشوار إرسال الصواريخ والطائرات المسيرة إلى حقول النفط وشركة أرامكو تحديداً حتى يستجيب حكام آل سعود إلى صوت العقل والحكمة ويعملوا على إيقاف عدوانهم الوحشي على اليمن ويرفعوا الحصار عن شعبه الكريم، هذه هي المعادلة المنطقية التي يجب على العالم أن يفهمها ويقرأها جيداً، والله أعلم منا جميعاً.
وفوق كُلّ ذيِ عِلمٍ عَلِيم.
رئيس مجلس الوزراء