في الزمان والمكان المناسبَين وجّه اليمنيون -بعون الله- ضربتَهم القاصمةَ لقوى العدوان، باستهدافِ أكبر حقل لإنتاج النفط السعودي (80% من حجم الإنتاج السعودي و10% من الإنتاج العالمي)، وهو استهدافٌ طال ما يمكن وصفُه مجازاً بأنه “دمُ المستكبِرين” في العالم الذين هالهم مشهدُ احتراق النفط في بقيق وخريص؛ كَونه المحركَ الرئيسَ لصناعاتهم ومصدرَ تمويل صفقات الأسلحة، في وقت لم تحَرّكِ المجازرُ والجثث المحترقة والدماء التي أراقها العدوان، أيَّ ساكنٍ أَو توقظْ ضميرَ ما يسمى المجتمع الدولي.
حسناً لقد أراق اليمنيون دمَ المستكبِرين، استهدفوا ما أدركوا أنه “الضرع” الذي ظن السعودي أن معينَه لا ينضَبُ وظن الأمريكي أن استمرارَ تدفقه لا نهاية له. لقد استباح اليمنيون النفطَ الذي ظل يشتري القنابلَ والصواريخ التي تقصفهم في منازلهم وفي أفراحهم وأحزانهم، استهدفوا مصدرَ الصواريخ التي نالت من كُـلِّ مصانعهم ومصالحهم وطرقهم وجسورهم، وفرضوا معادلةً جديدةً ستقلبُ كُـلّ المعادلات المتعارف عليها لعدة عقود قادمة.
المعادلةُ التي فرضها اليمنيون لن تعودَ بالإيجاب على اليمنيين وحدَهم، بل على كُـلّ المستضعفين في العالم، ولن تقتصرَ تداعياتُها السلبية على النظام السعودي وحدَه، بل على كُـلّ قوى الاستكبار العالمي، هذه المعادلة التي يمكن تبسيطُ شرحها تقول إنه لم يعد هناك مجالٌ لأَنْ تبنيَ قوى الاستكبار أمنَها ورخاءَها الاقتصادي على حساب سحق الشعوب المستضعفة ونهب ثرواتها، وتقول: إن الأمن والاستقرار يجب أن يكونَ حقاً للجميع دون تمييز، وإن على الشعوب التي تحكُمُها أنظمةُ الاستكبار العالمي بقيادة الإدارة الأمريكية، أن تدركَ أنه لم يعد بإمْكَانها الصمتُ والقبول بأن يكونَ الرفاهُ الذي تعيشُه على حسابنا نحن المستضعَفين، وليس مقبولاً أن نرى منها تعاطُفاً بسيطاً بل موقفاً مسؤولاً تجاه تلك الأنظمة.
لا يهم أن تنكرَ أمريكا وأتباعُها أن اليمنَ مصدرُ الهجوم على بقيق وخريص، فمسألة الإقرار بأن اليمني المحاصَرَ والواقعَ تحت النار منذ خمس سنوات استطاع أن يذل كبرياءَهم هي مسألة صعبة عليهم، وهي أولَ أسباب هذا الإنكار الذي يتناقضُ مع إقرارهم بأن اليمن مصدرُ الهجوم على مضخات النفط في منطقة الرياض وحقل الشيبة قُرب الإمارات، فمَن يقصفِ الرياض ويصلْ لحقل قرب الإمارات وقبلها يضربِ الإماراتِ نفسَها قادرٌ على ضرب بقيق وخريص لكن هذه المرة ولقرب حقل بقيق من المدن المأهولة جعل الفضيحة كبرى والحرج أكبر على قوى الاستكبار على رأسها أمريكا وأداتها النظام السعودي المتورط والمنقاد إلى حتفه.
إضافةً إلى ذلك فإن الإنكار الأمريكي السعودي لمصدر الهجوم على بقيق يؤكّـدُ نظرةَ الاستعلاء والاستكبار لهذه الأطراف وتعاليها على الشعب اليمني واستصغارها لأن يكونَ صاحبَ هذه القدرة التي باتت تؤمنُ بها شعوب العالم وهذا هو الأهمُّ، بالإضافة إلى أهميّة النتائج القادمة للعملية التاريخية التي ستجبر البيتَ الأبيض على وقف العدوان، فالعملياتُ اليمنية ليس غرضُها التدمير وتبديد ثروات الآخرين، بل هدفُها المشروعُ في لجم العدوان والحصار المستمرّ منذ خمسة أعوام.
لقد فرض اليمنيون معادلتَهم على العالم.. العالمُ الغربي الذي يقر بأن الحربَ على اليمن منسيةٌ وهو أرادها أن تكونَ كذلك حرباً وحصاراً لا أحد يسمع عنه، لكن اليمنَ أجبر العالمَ على سماع صوته ونفّذ خطتَه بناءً على “حاصِرْ حصارَك” وهو بالفعل ما يفعلُه اليمنيون اليومَ.