يبدو من التباشير الأولى التي بدأت تتشكّل في سماء المشهد السياسي اليمني، أن يمناً جديدًا سوف يبزُغُ من بين ركام الأحداث والأشلاء والدماء التي تركتها وتتركها الأحداث منذ بداية انفجار الوضع الأمني والاجتماعي والسياسي مطلع عام 2011م، ومهما تباينت الرؤى والأُطروحات والتحليلات تظل هناك حقيقة واحدة وثابتة لا يمكن نكرانُها، وهي أن مكوّن أنصار الله يملك رؤية واضحة المعالم والأهداف تعمل بحركة دؤوبة على تحديد صورة ومعالم اليمن الجديد.
والمواطن الذي يقفز على جراح اللحظة وألمها سعياً حثيثاً منه للوصول إلى اليمن الجديد الذي نتخيله في أذهاننا بصورة مثالية، وهو يتحَرّك ويعمل بكفاءة في عالم اليوم، من حيث القدرة والكفاءة والتحديث في المؤسّسات والمفاهيم والأساليب والاستراتيجيات، ومن حيث صياغة أهداف وطنية جديدة وحديثة قادرة على ابتكار وإبداع مجتمع حديث يزاحم على الوجود في الخارطة العالمية التي أصبحت تتميز بالتنوع والتعدّد على كُـلّ المستويات والأصعدة.
والقيادة اليوم بحاجة إلى اصطفاف جماهيري مساند وداعم حتى تتمكّن من الوصول إلى الغايات والأهداف الوطنية الكبيرة التي كانت وستظلُّ هي ديدن كُـلّ يمني غيور يشعر بالحال الذي أدركنا على حين غرة من الزمان، من حيث فقدان القيمة والمعنى ومن حيث الشلل والتعطيل.
ومثل ذلك الحال من الشلل والتعطيل الذي كنا عليه، لم يأتِنا من الخارج بل كان صناعة قوى وطنية نافذة لم يكن يشغلها إلّا وجودها وبراجماتيتها في استمراره أَو تغيره، وهي لا ترى في التغيير إلّا ما يتوافق مع مصالحها أَو ما يُمهّد لإعادة إنتاجها؛ ولذلك لمسنا من الشعارات التي كنا نسمعها في أزمنة بعينها دلالات الحد من الفاعلية والتغيير في أزمنة أُخرى، وثمة إشارات ورموز وبيانات طرأت على طاولة المشهد السياسي الجديد دالة على ذلك، والأغرب في الأمر هو حالة الارتباك والتداخل بين الذاتي والموضوعي في التفاعل مع الحدث السياسي.
ما نثق فيه أن السيّدَ القائد العلم عبد الملك الحوثي حمل هَـــمَّ التغيير وإحداث الانتقال، وهو يعمل جاهداً في التمهيد للحالة الوطنية الجديدة، ونظنه أكثرَ إصراراً من الذين يقولون بالتغيير شعاراً ويناقضونه سلوكاً وفعلاً وتفاعلاً، وقد نشهد في قادم الأيّام واقعاً جديدًا يتمايز فيه الناس تمايزاً واضحًا، فرموز وإشارات ما سوف يكون بيّنة وواضحة في الخطاب الإعلامي والسياسي لكل طرف من الأطراف الفاعلة في المعادلة الوطنية.
كنا نأمل من قوى التحديث أَو من قوى التغيير في المشهد السياسي اليمني أن تشارك مكون أنصار الله همَّ التحديث، وأن تكون حاملة مشروعاً نهضوياً لا مشروعاً معيقاً، فبدلاً عن أن تنظر إلى الواقع اليمني نظرة براجماتية بحتة تنظر إليه بنظرة تشاركية ورؤيوية من حَيثُ البناء والتحديث ومن حيث مؤشرات التغيير الاقتصادي وقراءة الناتج المحلي ومستوى دخل الفرد ومؤشرات التنمية البشرية ومعدل البطالة في البلد والدين العام، ومن حيث صياغة المجتمع المدني الحديث وتجديد الأهداف الوطنية، وبذلك تتحوّل تلك القوى إلى قوى صانعة للتحولات وتكسب ثقة الجماهير من خلال القراءة والتحليل واقتراح البدائل وفق رؤى علمية منهجية، فنحن حتى اللحظة لا نجد إلّا قوى سياسية عاجزة عن الصناعة وتتفاعل مع الواقع وفق معطياته وقد أثقلت كاهل الوطن بالصمت وزيادة الأعباء وبالتآمر وخلق ظروف أمنية أكثر تعقيداً من ذي قبل، ونراها تترك كُـلَّ الملفات الأمنية والعسكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية دون أن تشعرَ بمسؤوليتها الوطنية نحوها، فالقضية الوطنية في الانتقال والتغيير والتحديث ليست مسؤولية طرف سياسي بعينه، بل هي قضية تكاملية على كُـلِّ أطراف العملية السياسية الوطنية أن تتحمل مسؤوليتها فيها.
إننا ندركُ إدراكاً كاملاً أن القوى السياسية تعمل وفق آلية المكايدات التي تعمل على الاستغراق في التيه وإحداث القلق والفوضى وفقدان الشعور بالاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، وأمام مثل ذلك الطوفان يقف الوطن شامخاً من خلال البطولات الأُسطورية للجيش واللجان الشعبيّة، وَإذَا لم يخرج كُـلُّ أطراف العملية السياسية من دائرة المكايدات لإنقاذ الدولة، فالسقوط الرمزي للدولة يعني سقوط الجميع، ودعوتُنا لكلِّ الأطراف إنقاذُ اليمن من خلال الاصطفاف الوطني ونبذ فكرة العمالة التي دأبوا عليها خلال سنوات العدوان على الوطن.