يرى كثير من متابعي ومحللي السياسة الأمريكية الخارجية، أن أسلوب ترامب الصلف الذي أدار به البيت المسمى بالأبيض خلال الأربع السنوات الماضية والقضايا التي اختير لإنجازها وبالذات ما تعلق بالقضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها نهائياً بالضربة القاضية (صفقة القرن)، التي هيئت لها مسيرة المفاوضات العبثية على مدى ما يقارب ثلث قرن، واتفاقات أوسلو الهادفة لتغطية جرائم الاحتلال ومشاريع الاستيطان، وما أدت إليه من انقسام فلسطيني ،
يرى المتابعون أن صلافة ووضوح ترامب أفضل للقضية الفلسطينية ولمن يقف في محور المقاومة دفاعاً عنها وعن قضايا سيادة الأمة ونهب ثرواتها وضد داعمي الإرهاب والاستبداد الذي ينهش جسدها متخذين كل أشكال التخفي والمخاتلة والتضليل !
وانتقال العلاقات العضوية لبعض حكام الخليج مع الصهيونية من التخفي إلى الافتضاح عملية ممنهجة لدى راسمي السياسات أما أدواتهم فلا يهمهم سوى الوصول للسلطة والبقاء فيها وحمايتهم من الشعوب وليذهب ما عدا ذلك إلى الجحيم لا فرق بين مقدس ومدنس الدين والثروة والأرض والإنسان والسيادة والكرامة وكل القيم مقابل السلطة الشكلية والوهمية !!
ولا فرق في غباء الاستسلام لبريق السلطة بين عربي ولا عجمي إلا بالمن والسلوى وليس بالتقوى، ولهذا كانت خسارة ترامب للانتخابات واضحة منذ إعلانها من قبل العديد من وسائل الإعلام وخسارته للمعارك القضائية والقانونية المختلفة محسومة حسب حكام الولايات التي رفضت محاكمها معظم الدعاوى شكلاً.
لهذا كان ترامب أكبر الخاسرين من فترة حكمه وأشهر من تحدث في السياسة عن الصفقات الرابحة ومنها ما يسمى صفقة القرن، أكثرها خسراناً لبعدها عن المنطق وإلا فهل رأيتم صفقة يعقدها طرف واحد ؟!!
خلال سنواته الأربع في الحكم قدم كل ما في جعبته للوبي الذي دعمه في انتخابات 2016، وبعد ظهور نتائج انتخابات 2020 تشبث بالكرسي ولا يزال يكابر بعدم القبول بخسارته معتمداً على ثقته في قوة داعميه وهذا يعزز من تشكيك الكثيرين في مصادر ثروته، و كان عليه مراجعة تصرفاته خلال فترة ولايته الأولى جيداً، وما يقال عن تزوير انتخاباتها بدلا من محاولة التشويش على خسارته المحققة أمام (جو بايدن) وادعاء تزويرها ولو كان يمتلك شيئاً، من الفطنة لأدرك أن أغلب الأصوات التي ذهبت لمنافسه لم تذهب له حباً وإنما بغضاً لترامب الذي استفزت سياسته كل كائن حي !!
لقد خسر السلطة السياسية التي جاء إليها متطفلاً ويبدو أنه سيخسر نفوذه المالي الذي يرى كثير من خصومه أنه قام على الفساد والجريمة المنظمة، أما حصوله على حوالي سبعين مليون صوت من أصوات الشعب الأمريكي فهذه مسألة بحاجة إلى دراسة مستقلة !!
ولا يستبعد – وهذه قراءة من وقائع تصرفاته – أن من استفاد من فترة حكم ترامب هو من سارع في تحويله إلى بقرة حلوب أشبه بالتي حلبها حوالي ترليون دولار خلال فترة ولايته فقط وتوعد بذبحها بعد أن يجف ضرعها !!
هذا التشبث بالبقاء في السلطة رغم الخسارة جعل منه أشبه بزعماء العالم الثالث جهلاً بالسياسة وعدم مبالاة بقيم ومبادئ الدستور والقانون واعتماداً على مبدأ: (السياسة فن الكذب) !
إنها غيبوبة السلطة التي تحول صاحبها إلى مهرج لا يهمه شيء سوى السلطة.
ولأن الزعيم يثق بصهره الصهيوني ذي التسعة والثلاثين عاماً الذي عينه كبيراً لمستشاريه في إهانة واضحة للنظام الجمهوري المفترض وكذا وزير خارجيته، فإنه لم يعر تهنئة بعض رؤساء العالم لجو بايدن ولا تهنئة نتنياهو أي اهتمام !!، ولوكان يملك بعض الذكاء لأدرك أن إصرار نتنياهو على استحلابه القرارات التي تخدم نجاحه في انتخابات الكيان الصهيوني وتساعده على الهروب من المحاكمات التي تنتظره وزوجته بتهم الفساد بالإضافة إلى تصرفه في بعض القضايا الحساسة مثل المتاجرة بدعم نظام آل سعود وقضية الصحفي جمال خاشقجي وغيرها ومقايضة حقوق الإنسان بالمال، كل ذلك جعلت اللوبي الصهيوني يدرك أن دعم ترامب لولاية ثانية رهان خاسر وهو اللوبي المتمرس في استخدام اللعب الانتخابية الأمريكية وغيرها ولديه أوراقه وأدواته البديلة داخل الحزبين (الديمقراطي والجمهوري ) الحريصين على أمن إسرائيل أكثر من حرصهما على مصالح أمريكا التي تضحي بها بما ترتكبه من جرائم في اليمن وفلسطين والعراق وسوريا وإيران ، وكل أنحاء العالم دون أي مبالاة أو اختلاف بين الحزبين، بل إن بعض الديمقراطيين أكثر حرصاً من بعض الجمهوريين وهذه السياسة خطر على الشعب الأمريكي إن كان ثمة فرق بين الإدارة والشعب ، أما المتضررون منها في الوطن العربي وفي العالم فلن ينفعهم سوى التحرر من الاستبداد والفساد وتعزيز القدرة على المقاومة !!!.
كلما ضاقت الأرض بمن فوقها أو بمن تحتها ولدت مقصلة!