الحديث عن اليمن منذ عام 2011م لم يعد حديثاً صادقاً عند مختلف القوى التي آثرت الارتهان لأحضان الآخر المغاير وتستغرق نفسها في مشاريعه التي أصبحت من الوضوح بالمكان الذي لا يمكن نكرانها فيه، ويبدو أن المرحلة أصبحت في محك المراجعة .
فـ”هادي” الذي يدعي الشرعية ويدعي تحرير 70% من الأرض من سيطرة الانقلابين لا يستطيع العودة إلى قصر المعاشيق، وقصر المعاشيق بيد المستعمر ويتواجد فيه المندوب السامي الإماراتي.. ويذهب به الشطط الأخلاقي إلى القول بالخيار العسكري لاستعادة الدولة من يد الانقلابين، في صورة تراجيدية لا أظن أننا سنرى مثلها، في حين أن الأرض التي يدعي تحريرها لا يستطيع أن يتواجد فيها أو يعود إليها هذا أمر، الأمر الآخر أن ولي نعمته يخالفه القول ويرى استحالة الحسم العسكري ويذهب إلى خيار الحل السياسي كما عبَّرت الماكنة الدبلوماسية والإعلامية عن هذا الموقف ، وهذا الانهيار الأخلاقي لهادي تناولته وسائل الإعلام العربية والعالمية بالتحليل، إذ رأى البعض أن هادي ومن حوله من القوى العميلة جزء من المشكلة ولن تأخذ السعودية برأيه في الحل وهذا ما يدل عليه تاريخ العملاء في كل التاريخ.
ورأى آخر – في التناقض بين موقف هادي وموقف التحالف – أن هادي يريد البقاء في السلطة بأي شكل من الأشكال، والسعودية تريد ماء الوجه.. ويذهب آخرون إلى القول إن تصريحات هادي خداع سعودي لإظهاره كممانع في حين تبدي هي رغبتها في السلام لتحسين صورتها أمام العالم، وفي ذلك انهيار أخلاقي لهادي وزمرته ومن شايعه، وهو مبشِّر للقوى الوطنية بقرب الهزيمة العسكرية والسياسية والثقافية لقوى العدوان التي باتت مؤشراتها تقرع أبواب النصر وتتحدث بصوت الحقيقة.
يقول مايكل هورتن -كبير خبراء الشؤون العربية في مؤسسة تاون: ” يجب أن يصنف هادي كأول رئيس في التاريخ يدعو قوى أجنبية لمواصلة قصف وتجويع شعبه، وتدمير بلده. ”
لقد فشل هادي في إدارة التناقضات حيث أراد أن يضرب القوى الوطنية بعضها ببعض ويدير البلد بسفراء الدول العشر وبقرارات أممية، وحين تغرق القوى الوطنية في مستنقع الدم كان يعد نفسه في الطرف المقابل كمنقذ وكبطل أسطوري ولم يدر في مخيلته أن صورته لن تتجاوز الصورة التي رسمها مايكل هورتن “رئيس خائن دعا قوى أجنبية لقصف بلاده وتجويع شعبه، ورئيس عاجز ومنبوذ من شعبه ويعيش مغترباً خارج وطنه” هذه هي صورته التي سوف يتحدث عنها التاريخ.. وفي المقابل سوف يتحدَّث التاريخ عن القوى الوطنية التي قاومت العدوان وانتصرت عليه بثباتها الأخلاقي وبقيمها، ويسرد على للأجيال أن هذه القوى رفعت شعار “اليمن أولاً” وانتصرت لليمن وللأجيال ضد قوى الشر والظلام والقتل والدمار.
كل المؤشرات التي يبعثها الواقع اليوم تقول بانهيار أخلاقي لقوى العمالة، وبالتالي الهزيمة النفسية والعسكرية والثقافية .
مما لا شك فيه أننا نمرُّ بمرحلة تاريخية مفصلية, هذه المرحلة تحتاج إلى مهارات التفكير, في تحليل وتشخيص المواقف الصعبة والتعامل معها , وتحتاج إلى مهارات إنسانية في العمل والفهم والتحفيز ,وتحتاج إلى قدرة على التنفيذ بمعرفة متخصصة وخبرة فنية , إدراكاً منا بأن الذي أعلن عدوانه من منطلق مذهبي وأصولي علينا يتعامل مع تكنولوجيا المعلومات في مختلف أنشطته سواء كانت عسكرية عملياتية أو حتى الأنشطة الذهنية ,وليس بغافل عن بال أحد أن المعلومات في هذا الزمن أصبحت هي المصدر الرئيسي في الهيمنة , حتى الهيمنة الاقتصادية , فالتكنولوجيا حوَّلت الاقتصاد العالمي من اقتصاد يحتاج إلى المعلومات إلى اقتصاد قوامه المعلومات .
أي مرحلة الانتقال من عقلية عصر الصناعة إلى عقلية عصر المعلومات , والفرق بينهما أنه في عصر الصناعة كان يتم الحصول على المعلومات كلما كانت هناك حاجة إليها في حين تتواجد المعلومات في عصر المعلومات بشكل دائم وهي تدور في حيز التشغيل , وكما كان الحال في عصر الصناعة يتصرَّف القادة وكأنهم أصحاب القرار, ولا بد من إدراك الحقيقة التي نحن عليها أن هذا المبدأ قد تغيَّر بتغيِّر الأحوال والمستويات الحضارية والمعرفية، إذ فقدَ القادة في عصر التكنولوجيا خاصية صنع القرار، بل أصبحت مهامهم أكثر يسرا وأكثر تفاعلا مع الحدث من خلال العمل على تشغيل المعلومات المتوفرة ,وهذا هو الحال الذي نحن عليه في عصر التكنولوجيا، ولا بد من الوعي به, والاشتغال على الخطط الاستراتيجية التي تصنع المستقبل وليس انتظار المستقبل حتى يأتي , والاشتغال على الخطط لا يمكن أن يكون عفو الخاطر بل برؤى وأفكار قادرة على التحرك والتفاعل مع واقعها من خلال بنية تنظيمية وبنية توجيهية وبنية رقابية ترصد الحالات المنحرفة لتعمل على تعديلها حتى تتسق مع البناءات المختلفة .
وعلينا أن ندرك أن العدوان لن يتوقف بتوقف نشاطه العسكري على اليمن، بل سيستمر في استهداف العناصر الوطنية والكوادر الوطنية الثقافية والعلمية والسياسية, كما حدث في العراق، وهو ماض في تفكيك القوى الوطنية التحررية .
وانصار الله سيكونون مستهدفين باعتبارهم قوة وطنية في خط المقاومة الإسلامية، لذلك ووفقا لما هو متوفر لنا من معلومات لا يلزم السكوت والصمت بل التفكير والتخطيط والتنظيم والتوجيه لنكون وجوداً قوياً غير قابل للفناء أو الإلغاء, ومثل ذلك يلزم الارتباط العضوي مع الحاجات الأساسية للإنسان وفق أحدث النظريات الإنسانية التي ترى الحاجات الأساسية هرما تضيق قمته باتساع قاعدته ,وبالتالي تقل عندها عوامل الصراع ومفرداته ويحدث الاستقرار, والاستقرار يجعل من الاستراتيجيات صخرة صلبة تتحطم عندها المؤامرات .
ولذلك يصبح هم تمتين عرى النسيج الاجتماعي من ضرورات الاستقرار ومن ضرورات المراحل كلها ويلزم التفكير والتخطيط والتنظيم حتى ننتصر على المستقبل من خلال قدرتنا ووعينا المحكم في صناعته.