لا شيء يبعَثُ على التفاؤل بكُلِّ ما يأتي من أمريكا، سواء تحدثت عن سلام، أَو حرية، أَو ديمقراطية، أَو عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين، وغيرها، فكُلُّ هذا ليس إلَّا مضيعة للوقت، والحقيقة التي لا يمكن طمسها، وعلى الجميع أن يستوعبَها أن أمريكا هي مصدر كُـلّ شر في العالم، وهي أم المصائب، وأم الفتن، وَيجب أن يترسخ هذا في وعينا جميعاً.
وخلال سنوات كثيرة، تعاقبت الإدارات الأمريكية، واحدةً تلو الأُخرى، وجميعها كانت مصدراً للفتن، وضرب المنطقة العربية، فمثلاً كان بوش الأب والابن وترامب، يحملون مشروعاً واستراتيجيةً واحدةً، هي إظهارُ العِداء للعرب والمسلمين وشن الحروب العسكرية، واضطهاد واستفزاز العرب، في حين كان أوباما والآن بايدن يمارسون السلوكيات ذاتها، وإنما بوجه ناعم.
نحن نتوقَّــعُ أن تستمرَّ أمريكا في عهد بايدن بإشعال الفوضى في منطقتنا تحت مسمياتٍ عدة، منها محاربةُ الإرهاب، ومكافحة الفساد وغيرها؛ لضرب وحدة الشعوب، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وخلخلتها من الداخل؛ لجعلها ضعيفة وخاضعة وممزقة، وقد تعملُ هذه الإدارة على إيقافِ العدوان عسكريًّا، لكنها ستتمسكُ بإشعال المزيد من الحروب علينا، اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، وعلى كافة الأصعدة، وعلينا أن نكونَ حذرين ومنتبهين لهذا، وأن نكونَ على جاهزية عالية للمواجهة كُلٌّ في موقعه وفي ميدانه.
والقوة الناعمة هي القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبيّة أَو السحر أَو الإقناع بدل الإرغام أَو الإغراء بالأموال، كما يعرفها الباحثون الأمريكيون أنفسهم، ما يعني أنها تتخذُ مساراً غيرَ المسار العسكري، كما فعلت إدارة بوش الابن، حين احتلت العراق وأفغانستان.
إن بايدن لن يكونَ كنظيره ترامب في تعامله مع مِلفات المنطقة، فلُغةُ البلطجة والتعالي ستزولُ، وسياسةُ الحلب في الظاهر ستُنقل إلى الحلب في الخفاء، وإشهار السلاح العسكري في وجه الخصوم، سيعوَّضُ بأسلحة أُخرى غير مرئية، لكنها ستحقّق الهدف نفسه.
ولهذا نجدُ بايدن يتحدَّثُ عن أهميّةِ وقفِ العدوان على بلادنا، وإلغاء تصنيفِ أنصار الله من قائمة الإرهاب، في محاولة لترسيخِ سياسته الجديدةِ الناعمة، والتي سيعملُ من خلالها وفي الخفاء على حربِنا بشتى الوسائل، ومنها الحربُ الاقتصادية، والإعلامية وغيرها، وكما هو واضحٌ فَإنَّ بايدن لا يتحدثُ عن رفع الحصار على بلادنا، بقدر ما يدعو إلى وقف الحرب، ولو أرادت أمريكا بالفعلِ إيقافَ العدوان ورفع الحصار لتحقّقَ ذلك في أسرع وقت.
المطلوبُ في المرحلة القادمة أن يرتفعَ لدينا منسوبُ الوعي، وأن تترسخَ لدينا القناعةُ بأن أمريكا مصدرُ كُـلِّ شر، ولا خير منها، وأن نتنبَّهَ للأساليب الشيطانية القادمة لأمريكا، لنتمكّنَ من المواجهة، فالعدوانُ علينا شاملٌ، والمواجهةُ يجبُ أن تكونَ شاملةً في كافةِ المجالاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والعسكريةِ والأمنيةِ والفكرية وغيرها.