يعيشُ قطاعُ غزةَ أياماً قاسيةً جَرَّاءَ العدوان الصهيوني الغاشم الذي زادت حِدَّتُه مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية على مسار الأحداث، مقدمةً الدعمَ اللامحدودَ للكيان المؤقت، بالتوازي مع تصريحات لمسؤولين أمريكيين وأُورُوبيين مساندة للتوحش الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية الباسلة.
ومع بدء عملية “طوفان الأقصى” تلقى الجيش الصهيوني أقسى الضربات المؤلمة من المقاتلين الفلسطينيين الأبطال، واهتزت صورته أمام العالم، وظهر بأنه نمر من ورق، لا يستطيع القتال أَو المواجهة؛ وهو ما جعل رئيس حكومة الكيان المؤقت نتنياهو يسارع لطلب النجدة من الجانب الأمريكي، وإعادة الثقة إلى الروح الميتة لجيشه.
وعلى مسار المسارعة الأمريكية لتقديم الدعم للجانب الصهيوني، عمد الكيان الغاصب إلى شن غارات جوية مكثّـفة على قطاع غزة، والانتقام من المدنيين، مستخدماً سياسةَ “الأرض المحروقة”، وكأن القطاع جبهة عسكرية، وليست منازلَ للمدنيين، ولهذا شاهدنا كيف توزعت الغارات على كُـلّ أحياء القطاع، واستمرت لساعات طويلة، مستهدفة كُـلّ شيء بما فيها المساجد، والطرقات، والمستشفيات، كما ترافق مع هذه الغارات حصار مطبق، وانقطاع للتيار الكهرباء، وكلُّ هذا مِن أجلِ إعادة “الهيبة” للجيش الصهيوني بعد أن اهتزت خلال الساعات الأولى من عملية “طوفان الأقصى”.
بدأ التحَرّك الفعلي للأمريكيين لتقديم العون والمساعدة للكيان المؤقت عن طريق تحريك حاملة الطائرات “جيرالد فورد” في شرق البحر الأبيض المتوسط بعد يوم واحد من عملية “طوفان الأقصى”، ثم تأكيد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن أمريكا “ستزود جيش الدفاع الإسرائيلي بسرعة بمعدات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر، والتي ستبدأ في الوصول في الأيّام المقبلة”.
ويفهم من الدخول الأمريكي على خط المواجهة أن العمليات العسكرية في قطاع غزة ستستمر إلى مدى أبعدَ، وأن حديث الأمريكيين عن تزويد الكيان بالذخائر يشير إلى موافقة ضمنية من البيت الأبيض وتشجيع للصهاينة بالقصف اللامحدود على قطاع غزة لمسح عار الهزيمة.
الأمريكي شريكٌ في الجرائم:
في هذا السياقِ، يؤكّـد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أنه ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى صاح وبادر الأمريكي وكأنه المعني بالدرجة الأولى ما يؤكّـد شراكته مع العدوّ الصهيوني.
وقال السيد عبد الملك في خطاب له، يوم أمس: “إن أمريكا والأنظمة الأُورُوبية حاولت فرض معادلة أن يفعل العدوّ الصهيوني ما يشاء من قتل وممارسات ومصادرة للحقوق دون أية ردة فعل من جانب الشعب الفلسطيني”، لافتاً إلى أن “الأمريكي يقدم كُـلّ وسائل القتل والتدمير من قنابل وصواريخ لقتل المدنيين وأبناء الشعب الفلسطيني في غزة”.
كما يؤكّـد السيد القائد عبد الملك الحوثي، أن الأمريكي شريك في كُـلّ جرائم العدوّ الصهيوني وكل ممارساته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني والأمة بشكل عام، وأن الأمريكي بادر لتبني الموقف بعد أن رأى ما هو الحال الذي وصل إليه العدوّ الصهيوني من حجم الصدمة والذهول والإرباك.
وفي محاولة لتوفير الغطاء على هذا التدخل أكّـد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، مقتل عدد من المواطنين الأمريكيين في “طوفان الأقصى”، مقدماً خالص التعازي لأسر الضحايا، ثم تعمد الجانب الأمريكي ربط هذه العملية “بالإرهاب”، وتأكيد السفير روبرت وود -نائب مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بأنها “تشكل إرهاباً واضحًا وصريحاً لا يمكن السماح به”، وهي محاولات أمريكية لإقناع المجتمع الدولي بأن ما أقدمت عليه حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلّة هو إرهاب شبيه بما تقوم به “داعش” و”القاعدة”، مع أن الصورة مختلفة تماماً، فالشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948م، وعلى مدى هذه السنوات الكثيرة تعرض للقتل والتهجير والاعتقالات التعسفية، والاغتيالات، والعدوان الممنهج، واحتلال المنازل، وتعذيب الأسرى وقتلهم بطريقة وحشية، ولهذا فَــإنَّ عملية “طوفان الأقصى” هي دفاع عن النفس، وعن المقدسات، ومحاولة استرجاع الكرامة المهدورة طيلة عقود مضت.
حَـاليًّا لا يمكن استبعاد مشاركة الطيران الأمريكي في القصف المتوحش على قطاع غزة، ولا يمكن استبعاد الاستعدادات الأمريكية للتدخل المباشر العلني في أية تطورات قد تحدث على الأرض، ولا سيَّما إذَا ما توسعت المعركة، وشملت الجانب اللبناني، وهو ما أكّـده الجنرال الأمريكي المتقاعد باري ماكافري الذي قال: إن “القوات الأمريكية يمكن أن تنضمَّ إلى القتال إذَا استمرت التوترات في التصاعد، لا سِـيَّـما إذَا طرأت تهديدات من قبل حزب الله أَو حتى من إيران وسورية”، منوِّهًا إلى أن “التدخل الأمريكي قد يحصل في حال كان وجود دولة إسرائيل على المحك”.
لكن الذهاب إلى المعركة البرية واتساع رقعة المواجهات قد لا يخدم إسرائيل في هذه المرحلة، لعدة أسباب أولها عدم الاستعداد لخوضها؛ كون المقاومة الفلسطينية هي التي بدأت المواجهة هذه المرة بعكس المرات السابقة، إضافة إلى استعداد محور المقاومة لخوض هذه الحرب، غير أن كُـلّ الاحتمالات واردة، وقد تنجرف إسرائيل إلى هذه المغامرة بغية تحقيق بعض المكاسب الميدانية على الأرض، ومسح عار الهزيمة كما ذكرنا سابقًا، لكنها ستدخل في مستنقع خطير، مثلما دخلت السعوديّة في المستنقع اليمني، فالحرب على الأرض، ليست كما في الجو، وأكبر انتصار يمكن أن تحقّقه إسرائيل من خلال هذه المواجهة هو قتل عدد كبير من المدنيين وتدمير البنى التحتية وإحكام الحصار على قطاع غزة.
بالنسبة لأمريكا فهي لا تفضل فتح جبهات جديدة للقتال، لا سِـيَّـما مع المأزق الذي تعانيه مع أُورُوبا في حرب أوكرانيا؛ لأَنَّ اندلاع حرب إقليمية سيصب في المصلحة الروسية، فكما هو معروف فَــإنَّ أمريكا والدول الغربية والحلفاء تتركز جهودهم السياسية والعسكرية والإعلامية منذ سنوات حول أوكرانيا، وهذا كان يشكل عبئاً كَبيراً على الجانب الروسي، وَإذَا ما فتحت معركة في منطقة الشرق الأوسط فَــإنَّ جهود أمريكا وحلفائها ستتوزع بين الجبهتين.
في كُـلّ الأحوال ما حدث من هجوم في “طوفان الأقصى” هو الأسوأ على إسرائيل منذ حرب 1973م، وواشنطن لن تظل في موقف المتفرج، وستدفع بكل السبل: إما لاحتواء الموقف، أَو الدخول في المواجهة المباشرة؛ لأَنَّ هزيمة إسرائيل يعني خروج أمريكا نهائيًّا من المنطقة.
*نقلا عن : المسيرة