لي مع الكتب حكايات كثيرة بدأت منذ عام 1992، ولم تنته حتى اللحظة.
كتب تمنيت لو ألتقي مؤلفيها، وكتب ندمت أني التقيت بمؤلفيها. كتب اشتريتها، وكتب استعرتها ولن أعيدها، وكتب حملتها معي من دول عديدة. كتب قرأتها أكثر من مرة، وكتب لم أتجاوز خمس صفحات فيها، وأخرى غيرت نظرتي تجاه الحياة والناس.
سأحاول أن أكتب هذه الحكايات في قادم الأيام.
ذات يوم، في ظل أزمة الغاز، كنا جياعاً ولم يكن لدينا غاز ولا حطب، وكان لا بد أن يمتلئ التنور بالخبز. لم يكن تجاهي سوى كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، وكتاب بعنوان «حوار مع جني مسلم»، وكتاب عن التنمية البشرية لإبراهيم الفقي، وكتابان لمصطفى محمود، وكتاب «التوحيد» لعبدالمجيد الزنداني، وكتاب «لا تحزن» لعائض القرني، ولم أكن أعرف حينها أن القرني قد قام بسرقة محتوى هذا الكتاب من الكاتبة ليلى العضيدان التي رفعت عليه دعوى في المحكمة، ودفع لها القرني 300 ألف ريال سعوي كغرامة وتعويض مقابل سرقته التي تحولت إلى فضيحة وكتاب «قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله». وضعت كل هذه الكتب في التنور وحصلنا على الخبز الدافئ، فليس هناك حصن للإنسان أكثر من الخبز.
أول كتاب اشتريته في مراهقتي كان «آيات الرحمن في جهاد الأفغان». كنت مأخوذاً ببطولات عبدالله عزام، وبالمجاهدين الأفغان الذين كانوا يحرقون الدبابات الروسية بحفنة تراب. وكنت أرى هؤلاء الأفغان حقيقة تفوق أساطير سوبرمان وباتمان، وكم تمنيت لو أنني معهم في تلك المعركة، لأستشهد وتفوح جثتي برائحة المسك، فقد كانوا يعرفون شهداءهم بالرائحة الزكية التي تنبعث منهم.
كان ذلك أثناء مراهقتي وحماستي للجهاد وللحور العين، لكن هذه الحماسة انطفأت بعد قراءة هذا الكتاب، وبعد أن سألت نفسي: أي جدوى لعطر ينبعث من جثة متفسخة؟!
بعد أشهر قليلة، اشتريت كتاب «اليمن الجمهوري»، و»قضايا يمنية» للبردوني، وكتاب «الطراز» للإمام يحيى بن حمزة، و»ديوان الهبل»، و»مائة عام من العزلة»، و»ديوان الجواهري»، وأيقنت أنني أمضي في الطريق القويم.
* نقلا عن : لا ميديا