قبل أيام ذهبنا في رحلة إلى مدينة شهارة، الشهيرة بتاريخها وجسرها وعلمائها وشعرائها وأئمتها.
التقطنا الكثير من الصور، ونشرتُ بعضاً منها على صفحتي بالفيس بوك. فأثار دهشتي جهل الناس بجسر شهارة.. فهناك من ينسب بناءه للحميريين، وهناك من يقول إن الأتراك هم الذين قاموا ببنائه. والأدهى من هؤلاء من عبس وبسر حين قلت إن الجسر تم بناؤه بأمر من الإمام يحيى حميد الدين، عام 1905م.
حتى لو كنا متقاطعين مع الإمام يحيى في فكره وتفكيره وعقيدته، وحتى لو كنا لا نحبه، فهذا لا يعني أن ننكر أن بناء الجسر تم في عصره، فهذا الموضوع هو تاريخي، ولا علاقة له بالعاطفة ولا بالأحقاد.
بعض هؤلاء حين علموا أن يحيى حميد الدين هو الذي أمر ببنائه، حاولوا أن يستخفوا بدهشة الجسر وهندسته العالية، فقالوا إنه ليس جسر الصين! بالتأكيد هو ليس جسر الصين، لأن جسر الصين بني على الأرض وجسر شهارة بُني في الهواء. وقد بناه رجل واحد، بيديه العاريتين، في حين أن الآلات الحديثة لا تستطيع الآن بناء جسر مشابه له.
لا يعنينا إن كان الإمام يحيى جيداً أو سيئاً، فهذا شيء يخصه هو وحده.. .
لكن ما نحن معنيون به هو الإنصاف التاريخي واحترام إنجازات الآخرين، حتى ولو كانوا أعداء. لأن نسف هذه الإنجازات لا يدل إلا على عقلية فارغة مشحونة بالطائفية والجهل. فحين نقول: بني الجسر في عهد يحيى حميد الدين، فهذا ليس مدحاً، وإنما هو إنصاف تاريخي، بعيداً عن سياسة الحكم، وعن محبة الحاكم أو بغضائه.
ونشر صديقي عبدالكريم الرازحي صورة لجامع شهارة الكبير، وتظهر فيها القباب البيضاء الثلاث الملتصقة الجامع، وكتب تعريفاً على الصورة بأنها قباب الإمام القاسم بن محمد وولديه الحسن والمنصور.. ومع أنه لم يكتب شيئاً غير هذا، خرج المأزومون بالجهل لمهاجمة الرازحي يعيبون عليه نشر هذه الصورة، وذكَّروه بأنه شاعر وأديب ولا يجدر به الحديث عن هذه القباب، رغم أن ساكنيها أموات منذ مئات السنين!
أي عقول يحملونها..! وأي جهل يحاصرنا كأنه ليل طويل؟ فمن ينكر تاريخه ويطمس ماضيه لن يستطيع استقراء مستقبله.
* نقلا عن : لا ميديا