حين نسمِّي الأشياء بمسمياتها، سنستطيع التصالح مع أنفسنا ومع الآخر، وسندرك أن الحياة أجمل من أن نفسدها بتقديس أشخاص كان ينظر إليهم أبناؤهم بكل اعتيادية.
أن تطلق لقب «أبو الأحرار» على شخص ما، فمعنى هذا أنه كان ذبالة الثورة وعود ثقابها الأول.. والأحرار ليس لهم أب.
كلنا يعلم أن الزبيري كان يتنقل بين مصر وباكستان حين انفجرت ثورة سبتمبر، وأنه قتل اغتيالاً بعد الثورة بثلاث سنوات، ولم يكن لمقتله أي علاقة بالثورة، لا من قريب ولا من بعيد.
ينطلق البعض في تقديسه من آراء موروثة تلقَّفها جاهزة من التنظيم الذي ينتمي إليه، ولم يكلِّف نفسه أن يناقشها.. فالكثير ينطلقون في قناعاتهم من منطلق إخواني. ولو سألت أحداً من هؤلاء فلن يستطيع أن يؤكد لك أن الزبيري استشهد دفاعاً عن الجمهورية في ميادين ثورة الـ26 من سبتمبر المجيد. ولن يستطيع أحد أن يأتيك بقصيدة للزبيري تغنَّى فيها بثورة 26 سبتمبر!..
أما بخصوص قصيدة: «يومٌ من الدهر لم تصنع أشعته.. شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا»، التي كنا نقرأها في المناهج الدراسية، يعتقد الكثير أن الزبيري نظمها احتفاءً بالثورة، وذلك لأنهم لم يقرأوا دواوينه بقدر ما تناقلوا نصوصه كمسلَّمات لا تقبل النقاش وإثارة الجدل حولها. ولو قرأوا دواوينه لعرفوا أن هذه القصيدة الشهيرة قد كتبها بمناسبة عيد الاستقلال الوطني لباكستان، ولا علاقة لها بالثورة ولا باليمن.
الزبيري لا هو شاعر ولا ثائر، فقد ترك وطنه قائلاً: «إن اليمن أصبحت سجناً كبيراً، ولا يصلح للحياة». وانطلق إلى مصر ليجعل من نفسه أداةً لحسن البنا وحزبه، ويداً طولى للفضيل الورتلاني. ثم انطلق إلى باكستان، وظل متأنقاً بذلك الزي الجميل الذي لم يلوثه غبار الثورة، كما ظل محافظاً على نعومة أصابعه التي لم تضغط على زناد، ولم تطلق رصاصة واحدة. بعد ذلك عاد إلى اليمن التي تركها، بحجة أنها «أصبحت سجناً كبيراً»، فتم استقباله كأنه بطل أسطوري، ليخطف الأضواء والألقاب، إذ تم تعيينه وزيراً للمعارف في حكومة الثورة، ثم نائباً لرئيس الوزراء.
اقرأوا التاريخ دون انحياز وتعصُّب، فالحقيقة مؤلمة حين ندرك أنه تم استغفالنا طوال 60 عاماً.
* نقلا عن : لا ميديا