|
صناعة الأكشن
بقلم/ عدنان باوزير
نشر منذ: سنتين و 11 شهراً و 26 يوماً الأحد 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2021 07:13 م
ما الحرب إلا امتحان لإيمان وشجاعة الفرسان كلحها يمتحن صبر الرجال وعندما تكشف هشاشة قلبك الرهيف أهوال الميدان الذي يسيح في أتون ناره الرهيبة الحديد القاسي الهندوان كما تسيح الزبدة فوق ألسنة أصغر لهب ، لا تصمد حينها إلا الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة.
فعندها لا مناص من الهروب إلى الاستديوهات المكيفة ، واللجوء لخدع السينما والاستعانة بألاعيب الكاميرا لتصنع لك مجداً كيفما كان ولا ألومك .
أنت أيُّه القادم من مدن الزجاج المبهرجة ، وكل تاريخك مزيّف ، ليس تاريخك فحسب بل حتى جغرافيتك مزورة ومصطنعة، فكيانك الهجين مزروع استزراعاً استعمارياً غربياً في ساحل عمان بالضبط، كما هو كيان من تستقوي اليوم به وتمارس عنترياتك المضحكة ، المزروع عنوة بأرض الرباط.
لقد جاءت بك الصدفة المحضة المشوبة بأوهام العظمة الى أكبر وأقدم مصانع الرجولة في العالم ، وأمام من ؟؟ أمام أشجع شجعان هذا العصر وما قبله بعقود طويلة وما بعده بعقود أطول ، أمام أنصار الله الشجعان ، رجال كانت ولا زالت الحرب بالنسبة لهم بمثابة لعبة والقتال مجرد نزهة.
جئت تتسول سطراً واحداً من سطور المجد بأسفار التاريخ المنعدم في كل تاريخك لتزين به حاضرك القبيح .
حسناً لك ذلك .. ولكن قل لي أين ستكتب مجدك ؟؟
هل ستكتبه تحت أقدام مجاهد حاف يصعد جبل منيف أعلاه حصن عسكري سعودي محصن ومدجج بالأسلحة، فيقذفهم بقذيفة بازوكا يحملها بيده العارية وكأنه يمارس لعبة كرة اليد ولا تهتز فيه شعرة ؟؟
أم بين خطوات مجاهد حاف آخر يحمل على كتفه زميله الجريح ويمشي به في واد مكشوف ووابل الرصاص ينهمر عليه من كل حدب وصوب كالمطر وهو لا يحيل أو يميل عن سيره أو ينوء بثقل حمله ويظل واثق الخطوة يمشي ملكا .
هاه .. أخبرني أين ستكتب مجدك المرجو ؟؟
أستكتبه على هامش تقرير مراسل قناة المسيرة في الجوف (النوعة) الذي سقط صاروخ طائرة سعودية مغيرة على بعد أمتار منه فلم يلتفت حتى أو يتوقف وأكمل تقريره وكأن شيئاً لم يحصل ، وحتى هذه فحظك فيها معدوم فليس في ملاحم الأنصار أي هوامش ، فكل ملاحمهم متون ، وبالمناسبة وغير بعيد عن هذه البقعة سطروا ملحمة أخرى اسمها (المتون) ؟!
أم ستكتبه على نبرة فتى (حوثي) التقطت كلماته البسيطة سماعة كاميرا قناة المسيرة في الحد الشمالي وهو يقول لزميله الذي كان يصطاد الجنود السعوديين- كما يصطاد الحمام – (يا طه .. يا طه أمانة خلي لي منهم واحد) !! وكأنه يلعب البلاستيشن في صالة بيتهم الآمن لا في ميدان معركة وأي معركة .. ألم أقل لكم إن الحرب هي لعبة هؤلاء الرجال الأشاوس والقتال في عرفهم هو نزهة أو رياضة ؟!
لا مانع لدي أن تحظى بسطر أمجاد يتيم واحد في هذه الملحمة ولكن أخبرني فقط أين ستكتبه ؟؟
هل ستكتبه تحت جنازير دبابة الفتى المعجزة (طومر) أم تحت إطارات (شاصه) ؟؟ وهو يخيّط رمال الصحراء روحة وجيئة بين موقع وحدته المرابطة وثكنة رفاقه المحاصرين تحت وابل رصاص الأعداء وكأنه يتنزه في ملحمة.. صدقني لو رآها عنترة العبسي ذاته لترجل عن الأسطورة وعقر فرسه ورهن سيفه عند عمه (مالك) وذهب يبيع سنمبوسة ..
أم ستكتبه على شظايا صاروخ رهيب وعصفه المدوي وبغبار أقدام ذلك المجاهد الأنصاري الذي قصفته طائرة سعودية وهو وحيداً في أرض خلاء بصاروخ مدمر – وهذا دليل جبنهم – فخرج من بين أطنان الشظايا وزوبعة الدخان والغبار والرماد الرهيبة كطائر العنقاء صاغ سليم حياً يمشي، في مشهد مذهل للغاية ، أتحدى هوليوود بكل آلتها التكنولوجية المتطورة وخدعها وحيلها السينمائية أن تحاكي مشهداً ولو تمثيلياً مثله ..
صدقني لم يترك هؤلاء الرجال لأحد فرصة في أن ينازعهم ولو ذرة من مجدهم الخالص المستحق الذي صنعوه بدمائهم وتضحياتهم الجسيمة ، وقد أتعبوا بل أعجزوا سلفاً من سيأتي بعدهم ، وأتحدث هنا عن العتاولة الكبار، فما بالك بك أنت أيه (الأسبرطي) الصغير .
خدعوكم يا نمور الورق و يا (ثعالة) الفلاء عندما شبهوكم بأسبرطة ، فصدقتم أنتم الكذبة واستحسنتموها لأنها ربما ترضي غروركم وحاولتم أن تعيشوا الدور ولكن في المكان والزمان الغلط .. فأين أنتم من أسبرطة ؟؟ هل تمتلكون 3 آلاف سنة من التاريخ مثلها ؟؟ هل تستطيعون أن تبنوا أسطولاً بحرياً كبيراً بأنفسكم كما فعلت ؟؟ هل لديكم رصيد خبرات أربعة قرون متراكمة من الحروب كما فعلت ؟؟ هل تمتلكون ذرة من حكمة الإغريق ؟؟ وحتى أسبرطة نفسها لو كانت تعيش عصرنا الراهن لما تجرأت أن تغامر هذه المغامرة المتهورة مثلكم ، وترتكب نصف حماقتكم ، فإذا كانت أسبرطة قد ولدت من رحم بحر أيجة، فهنا رجال قد انبثقوا من أرحام هذه الجبال الشامخة ويمتلكون تاريخاً يضاهي تاريخها ويتفوق عليه ..
حسناً سأخبركم أنا بمآثركم على أرض اليمن ، لا شيء سوى عشرات بل مئات النعوش التي عادت إلى بلادكم وهي تحمل صرعى ضربات توشكا وغير توشكا على معسكرات مارب ، بدءاً بـ(صحن الجن) ومروراً بـ(تداوين) وليس انتهاء بـ(صافر) وغيرهم ، وحتى هذه ليست بسالة ولا شجاعة من جنودكم ، فلو علموا عن زيارة تلك الصواريخ المحومة في الجو لفروا في صحارى الربع الخالي لا يلوون على شيء كما تفر النعام في البراري ، أو ربما تقصدون تلك العملية الهزلية التراجيدية الممسرحة التي أهداكم إياها الخائن (عفاش) في عدن وأسميتموها (السهم الذهبي) ، وحتى هذه لم تشاركوا فيها بشيء ، فالمنحة عفاشية والمقاتلون دواعش ، أنتم فقط شاركتم بأموالكم ومعداتكم ثم أتيتم ورفعتم علمكم وأخذتم بعض الصور التذكارية لزوم (الآكشن) الذي تموتون فيه وذلك بعد انجلاء غبار المعركة ، وهذه بالطبع مردودة لكم طال الزمان أم قصر ..
وختاماً ما يزال الميدان مفتوحاً والمجال متاحاً لتسطير أمجاد لمن لم يعتبر ويثب إلى رشده بعد .
هذا اليمن وهؤلاء الأنصار فإن تبقى في رؤوس قادتكم الحمقى بعض وهم فهذا- وكما تقولون- الميدان يا حميدان ، ولا تغز إلا بقوم قد غزت أو خلي المغازي لأهلها وأغمد سيفك يا (عباس) ..
لكنكم بالفعل لملمتم معداتكم ولذتم بالفرار، وهذا هو القرار الصحيح الوحيد الذي اتخذتموه منذ بدء العدوان على اليمن ولا أحد يلومكم ..
فأصنعوا ما شئتم من سينما وأنتجوا ما شئتم من أفلام على شاكلة فلمكم السخيف المفبرك (الكمين) ، ولكن هل سيصمد فلمكم هذا مهما بلغت ضخامة تكاليف إنتاجه أمام مشهد واحد حقيقي من مشاهد إعلام الأنصار الحربي في قناة المسيرة ؟؟
هذا السؤال برسم المشاهد أو المتابع.. وما أسهل التمييز بين الواقع الحي من الميدان والموثق بالصوت والصورة وبين التمثيل والفبركة !! |
|
|