أصبح من الغباء المفرِطِ التفريقُ بين الإمارات و”إسرائيل”، فهما كيانٌ واحدٌ ويؤديان الوظيفةَ نفسَها، ما تعجز عنه “إسرائيلُ” تنفِّذُه الإماراتُ، وما تعجزُ عنه الإماراتُ تنفِّذُه “إسرائيل”، فهما كيانٌ واحدٌ بعد أن عملت “إسرائيلُ” عبر شركاتها على تحويل دُبَي كمركَزية اقتصادية في الشرق الأوسط، وهو مشروعُ التغريب لصحراء الجزيرة العربية وتحويلها إلى كيان غريب اليد واللسان، وكيان يديِّــرُ الحالةَ الاقتصادية ويتحكَّمُ بمقاليدِها ويتداخلُ في تفاصيلها الصغيرة، ويعمل جاهداً على تعطيل كُـلِّ مشاريع النهضة في المنطقة العربية.
ولعل الذاكرةَ ما زالت تذكُرُ ما قامت به شركة دبي القابضة في منطقة عدن الحرة التي كانت تهدفُ إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي وقد تكون منافسًا قويًّا بحكم الموقع الاستراتيجي، وربما تترك دبي غبارًا تسفُه رياحُ الخماسين في صحراء العرب.
اليومَ مؤشراتُ الوضع الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي في دولة الإمارات أصبح أكثرَ وضوحًا من ذي قبل، فقد كشفت الأحداثُ الغِلالة التي كانت تحجب الرؤية وتجعل من عرب الصحراء رجالَ تنمية واقتصاد ومركَزية حضارية ذوي فرادة في العالم على خلاف الطبيعة البدوية الصحراوية التي هي في الأَسَاس ضد العُمران وأكثرُ مَيلاً إلى التدمير والفوضى، وهي الطبيعة التي يتم توظيفُها بطرق بالغة الذكاء في اليمن من قبل الجهاز الاستخباري الصهيوني وعبر أدواته من عرب الصحراء ومرتزِقة اليمن، كما أن نشاط الإمارات العسكري في اليمن منذ بدأ تحالف العدوان إلى اليوم يمتازُ بالحذر الشديد، فهو حين يشعُرُ أن مصالحَه باتت في خطرٍ يحاولُ أن يقومَ بتحَرُّكٍ سياسي أَو عسكري أَو دبلوماسي يخفِّفُ من خلاله درجة التوتر ثم نراه يعودُ متى شعر أن الحاجة تقتضي نشاطًا أمنيًّا أَو عسكريًّا حتى يحقّقَ غاياتٍ ليست في مصلحة الإمارات، إذ لا مصلحة لها بل في مصلحة “إسرائيل”.
حين رفعت الإمارات رايتها على جزيرة سقطرى اكتشف الكل أن وراء تلك الراية كانت “إسرائيل”، فقد سارعت “إسرائيل” إلى الإعلان عن نفسها في صور شتى، منها الأفواج السياحية، ومنها القيام بإنجاز أفلام وثائقية وتسجيلية ودرامية في الجزيرة، وهي اليوم تتواجد في الجزيرة عسكريًّا كما تتواجد اقتصاديًّا في شركات إنمائية واستثمارية وخدمات واجهتها العَلَمُ الإماراتي وتحت أبطَيها عَلَمُ النجمة الإسرائيلية، ومثل ذلك أصبح مقروءًا ومشاهدًا في سقطرى، ويحدُثُ اليومَ في سقطرى نشاطٌ ثقافي واجتماعي مكثّـفٌ يهدفُ إلى تغريب سكان الجزيرة وفصلها عن امتدادها التاريخي والجغرافي ونسيجها الوطني، فالمواطن السقطري أصبح مواطناً إماراتياً في ظاهر الشكل، وهو في جوهره احتلال “إسرائيلي” للجزيرة ببشت وعقال ودشداشة خليجية، وتلك من الرذائل التي عليها عرب الصحراء اليوم حين تحولوا إلى أدَاة طيعة بيد العدوّ التاريخي للعرب والمسلمين وينفذون أجنداته بصورة فجة ووقحة وعلى مرأى ومسمع من العالم الحر ومن المسلمين الذين وقعوا تحت تأثير الخطاب المضلل الذي تنتهجه الرأسمالية العالمية دون أن تصغيَ لحقائق الواقع أَو خطاب حركة المقاومة الإسلامية التي بدأ محورُها يشتدُّ عودُه ويكشفُ الكثيرَ من الزيف والتضليل، لكن في ظل حالة من الانغلاق الفكري وعدم الانفتاح من تيار التطبيع فقد سلكوا طريق عَمَهِ الطغيان فلم تكن قلوبُهم إلا غُلْفاً يعلوها الرَّان.
ليس للإمارات من جيش حتى تمارِسَ نشاطًا عسكريًّا في اليمن، لكنَّ أحداً لم يسألْ نفسَه: من أين جاءت الإمارات بذلك الجيش إلى اليمن؟ وسلاح الجو الذي يقصف وقصف اليمن هل هو إماراتي؟ كيف لدويلة صغيرة واقعة تحت الوَصاية أن تقومَ بنشاط عسكري، ويقوم المجتمع الدولي بكله لغض الطرف عن ذلك النشاط؟ القضية واضحة لكل ذي لُبٍّ أَو عقل أنَّ دولة صغيرة مثل الإمارات لا يمكنها أن تلعبَ دورًا محوريًّا في المنطقة العربية وهي تستأجر شركاتٍ أمنية وعسكرية صهيونية للحماية الأمنية والعسكرية للحكام والشركات وفرض النظام الأمني في المدن.
لم تكن الإماراتُ في مفرداتِ العدوان على اليمن إلا “إسرائيل” بكل ترسانتها العسكرية وبكل تقنيات سلاح الجو الإماراتي الظاهر تحت لافتات العَلَمِ الإماراتي، فقد أضحى واضحًا أن الإماراتِ وجهٌ عربي لـ “إسرائيل” تُديرُ من خلاله حركةَ التطبيع وتديرُ من خلاله مصالحَها في المنطقة برمتها؛ ولذلك يتحَرَّكُ محمد بن زايد وفقَ أجنداتها هنا أَو هناك حتى أنه غيَّبَ الحاكِمَ الفعليَّ وأدار المِلَفَّ في ظل فرض الوَصاية على أخيه الحاكم الفعلي للإمارات وهو يواجهُ واقعاً غيرَ معلوم لأحد.
نحن في اليمن نخوضُ حربًا مع “إسرائيل”، بَيْدَ أن “إسرائيلَ” تحاربُنا من وراء جُدُرِ الإمارات، وهذه من الحقائق التي يُفصِحُ عنها الواقعُ؛ ولذلك فالشعار الذي يردِّدُه أهلُ اليمن لم يكن إلا بوعيٍ عن طبيعة المعركة الوجودية، والأيّام سوف تُفصِحُ عن ذلك، وإن كان الواقعُ يُفصِحُ يشكل جلي، بَيْدَ أن الكثير لا يرغبون في الفهم؛ بسَببِ عَمَهِ الطغيان.