لقد اتخذ الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) الموقف الذي يعبّر عن الإسلام في أصالته، ومبادئه، وقيمه، وشرعه، وضمن هذا الدور الذي أقام فيه الحجة على الأمة كافة، ورسم لها الموقف المسؤول الذي لا مناص عنه وليس موقف عبثياً، أو انتحارياً.، بل تحرك من منطلق الكمال الإيماني وعلى أساسه خط للأمة مسارا للحرية وجسد لها معاني المسؤولية والقيم الدينية والأخلاق النبوية في ثورة خالدة لكل الأجيال لتستفيد منها الأمة في كل مراحلها في مواجهتها للطواغيت والظالمين والمستبدين الذين لا ينضبطون لمبادئ الإسلام ولا لقيمه والذي عبر عنه بقوله «عليه السلام»)أيها الناس إن رسول الله(صلوات الله عليه وعلى آله) قال: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقاً على الله أن يدخله مُدْخَله).
ثائرون على درب الحسين
ما تعانيه الأمة اليوم من حكام الجور والتسلط، العاملين بالإثم والعدوان الذين يستبيحون سفك الدماء، وهتك الأعراض ونهب الحقوق والممتلكات ويتسلطون على الأمة من أجل تعزيز نفوذهم وسلطتهم، وتطبيق رغباتهم، هو أكبر بكثير مما قد عانته منهم منذ عقود وهذا يفرض عليها مواجهتهم كمسؤوليةٍ دينية، ومبدأ إسلامي، وأن تقف في وجوههم الموقف الحسيني الإسلامي، الأخلاقي، المبدئي، الشرعي لأن من أعظم قيم الإسلام، ومن أهم ما فيه من المبادئ الرئيسية هو (أن لا نقبل بالعبودية إلا لله) فننطلق من منطلق الاباء الحسيني الذي علّمنا أن نقول: (هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون) وأن نقول كما قال: (لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرُّ إقرار العبيد)، خاصة وأمتنا اليوم تواجه هذين الخيارين: إما السِّلة، وإما الذلة.
أهمية استيعاب الدروس من يوم عاشوراء
نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى أن نستفيد من الإمام الحسين «عليه السلام» من موقع في القدوة، والهداية، في كل ما جسّد لنا من المواقف المعبّرة عن الإسلام في أصالته، ومبادئه، وقيمه، وأخلاقه، وهذه مسألة يجب أن نعيها ونستوعبها جيداً، لأن الكثير اليوم تغيّرت منطلقاتهم، واختلفت توجهاتهم، وكأن المسألة لا علاقة لها بالإسلام، فالبعض يتأثر بالمخاوف التي تدفعه نحو الذل، والخنوع، للمستكبرين والطغاة فيتخذ خيار الاستسلام، إما ضمن الالتحاق بصف الطغاة وإما بالسكوت، والخذلان، والبعض يطغى عليهم الطمع، فيبيعون أنفسهم، ومواقفهم، للعدو والبعض يسعى وراء المناصب، موقفه مرهونٌ بمنصب معين، والبعض هم- أيضاً- ضحية لحالة التضليل الكبيرة، لأنهم لم يكونوا جادين في أن يعرفوا الحق، والا فالأحداث، والمتغيرات تكشف الحقائق جلية وواضحة.
الموقف الحسيني حماية للشعوب المستهدفة
الإمام الحسين «عليه السلام» شاد بموقفه قولا وعملا الحصن المنيع الذي سيحمي الأمة إن هي التجأت إليه واتخذت منه منهجا تسير عليه فهو كفيل بحمايتها من أمريكا، وإسرائيل، وامتدادهما من منافقي الأمة وخونتها الذين يلعبون دوراً تخريبياً لصالح أمريكا وإسرائيل، فبقدر ما تتجذر وتترسخ فينا هذه المبادئ، والقيم، والروحية، والأخلاق؛ بقدر ما نكون أباةً، نتحرك بمسؤوليةٍ عالية، وتوكل على الله؛ فنحظى بنصره، وعونه؛ لأنه لا يريد لنا أن نُظلَم، ونهان، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}المنافقون: من الآية8.
مبدأ المسؤولية في القرآن الكريم
عندما نعود إلى القرآن الكريم، نجد الحديث الواسع عن مبدأ المسؤولية في كل جوانبه، بأكثر من أي فريضة عملية أخرى لدرجة أنَّه لا يمكن أن يقبل منَّا الدين إلَّا به، وأنه لا يمكن لأي إنسان مهما كانت صفته ومنزلته أن يشطبه لأنه أتى في كل التوجيهات والتشريعات بصيغة إلزامية لا يمكن تركها.
من المعني برفع الظلم وإقامة العدل؟
لو نسأل أنفسنا مَن المعني برفع الظلم عنا، وإقامة العدل فينا؟ هل الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟… إذا عوِّلنا عليهما نكون كَمَن يعلِّق أمله على سراب، لأنهما لا يمتلكان حتى صلاحية لنفسيهما، فيعطيان قراراتها صفة الزامية، كما أنهما لا يمتلكان العدالة لا في آلية عملهما، ولا في قدراتهما، ولا في اتجاهاتهما وما فعلاه بحق الشعب المسلم في البوسنة والهرسك، دليل كاف على أن تدخلاتهما دائما سلبية بحق الشعوب المظلومة، فمن خوله الله وأهله لإقامة العدل في البرية ورفع الظلم عنها هو أنت أيه المسلم فهي المسؤولية التي أنيطت بك ولا يمكن أن تنتظر حتى من الله -سبحانه وتعالى- أن يقوم بما هو مسؤولية عليك، وجزء من التزاماتك الدينية والإيمانية والعبادية ولهذا فأنت بحاجة إلى إعداد نفسك ثقافيا ومعرفيا، وتربويا، كجزء رئيسي من برنامجك العملي والتزامك الديني في هذه الحياة.
أسباب غياب المعالم الأساسية عن واقع الأمة
أولاً: اشتغال بعض الجهات على الموضوع بشكل مقصود، بهدف إبعاد هذه المسائل والمعالم الرئيسية عن واقع الساحة الإسلامية؛ للتمكن من السيطرة عليها بشكلٍ مريح.
ثانيًا: غياب الاهتمام بهذا الموضوع في أوساط الساحة الإسلامية، على مستوى المسار التعليمي بكله.
ثالثا: تحريف المفاهيم الإسلامية واستغلالها في غير مواضعها، كالجهاد عند التكفيرين.
قوى الشر.. تعدد العناوين ووحدة الموقف
لا يوجد فرق بين الأمريكيين والإسرائيليين ومن يواليهم من التكفيريين والمنافقين في قراراتهم ومواقفهم، فرغبة الزنداني وصعتر في إبادة الشعب اليمني لم تختلف عن رغبة نتنياهو أو ترامب، وتحركات الدواعش في القضاء على الإسلام وتشويهه وقتل أبنائه وتدمير بلدانهم هو نفس ما تسعى إليه أمريكا وإسرائيل.
الاستغلال السلبي للعناوين الرئيسية وضرورة المواجهة
ينبغي أن نكون متنبهين إلى أنَّ الاستغلال السلبي لهذه العناوين لا يعني تعطِّيلها ، وتركها، بل يجب إحيائها بصدق في واقع الأمة وفق المفاهيم الصحيحة لها، لأن الأعداء راغبون أن تستخدم بشكل مشوه؛ حتى يشمئز الناس من سماع مفردة جهاد أو مفردة أمر بمعروف وينطبع في أذهانهم التصرفات التي يمارسها التكفيريون، والجرائم الوحشية والبشعة التي يرتكبونها، أو ينطبع في أذهانهم ما عليه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، التي لديها اهتمامات هامشية، وأشياء عجيبة وغريبة جدًّا.
نتيجة التجاهل للمعالم الأساسية في الإسلام
-
غياب العدل والأمر بمعروف، والنهي عن منكر،
-
التروَّيج للمفاهيم الضالة وانتشارها وشيوعها كطاعة الظالم والتعايش مع العدو الإسرائيلي
-
شطب المعالم الأساسية من واقع الحياة وانشطتها التعليمية والتثقيفية
-
تُربَّية الأمة على ِتَقَبُّل الظلم، والمفاسد والمنكرات.
-
عصيان لله -سبحانه وتعالى- في أهم مسائل أمر بها، وألزم بها، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-
شيوع ظاهرة التولي لأعداء الله ورسوله؛ والتبعية لهم في كثيرٍ من المواقف والسياسات،.
-
تعطيل آيات قرآنية كثيرة تحدثت عن هذه الأسس وكذلك أحاديث نبوية صحيحة.
-
خسارة الأمة لموقعها في سيادة العالم وريادته لو هي حافظت على معالم دينها.
نحن معنيون اليوم
أولاً: بالعودة إلى قيمنا وأخلاقنا القرآنية والإسلامية، والتمسك بالقرآن منهجًا، وبالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قائدًا وأسوةً ومعلمًا، ثانيا: استعادة المَنَعَة والقوة لمواجهة التحديات، وذلك من خلال العودة إلى المعالم الرئيسية؛ لنبني عليها حياتنا، وقوتنا ثالثا: الوعي بأن قوتنا هي بقوة إيماننا، ووعينا، وإرادتنا، وسلامة نظرتنا، وفهمنا الصحيح للواقع والحقائق من حولنا،
رابعا: إدراك التحديات والأخطار القائمة والموجودة والتنبه لها
خامسا: استشعار المسؤولية، في التحرك، وفق ما يمليه علينا إسلامنا وقرآننا والاقتداء بنبينا وأعلام ديننا
سادسا: أن نتحرك بالمبادئ الإسلام وقيمه الصحيحة والسليمة للدفاع عن أنفسنا، وحريتنا، وكرامتنا، واستقلالنا، ولإقامة العدل في حياتنا، ودفع الظلم عن أنفسنا كمسؤولية علينا أمام الله -سبحانه وتعالى- يسألنا عنها يوم القيامة.
ضرورة العودة إلى أصالة الإسلام ومعالمه الأساسية
يتضح لنا من خلال العودة إلى الثقافة القرآنية والسيرة النبوي وحركات أعلام الهدى ومن خلال العودة إلى واقع الأمة في الماضي والحاضر، أهمية المسؤولية الدينية وما يمثله مبدأ التحرك في إطارها من در بارز في إصلاح واقع الأمة وإحقاق الحق وسيادة العدل وما يمثل الإخلال به من إخلالٌ بالدين، وإفقاده من أثره وثمرته في الحياة، وتفريغه من مضمونه الجوهري والأساسي؛ ولذلك سعى الطواغيت والمجرمون والمضلون إلى التركيز على هذه الجوانب، مع الابقاء على جوانب أخرى مجزأة فصلت عن ذلك الجانب فأفقدها الأثر والإيجابية في واقع الحياة وجعلها على نحو يستغله الظالمون ويفعلونه لصالحهم مثل شعيرة الصلاة التي وظفوها في تثبيط الناس من بيتك إلى مسجدك ومالك حاجة من أحد فيما الأمة تعاني من ظلم شديد وفساد رهيب ومنكرات كثيرة وخضوع للسيادة الأمريكية وتسابق نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وهذا لا ينسجم مع الإسلام بأي حال من الأحوال.
ملخص من محاضرة السيد 1440هـ- الثانية
أبرز المعالم الرئيسية في الإسلام
تعتبر المسؤولية من أبرز المعالم الرئيسية، والمبادئ الأساسية في دين الله -سبحانه وتعالى- بحجم بروزها وحضورها الكبير في القرآن الكريم، وفي حركة الرسول -صلى الله وسلم عليه وعلى آله- وأهميتها الكبرى المتصلة بواقع الأمة في صلاحها إن أقيمت كما ينبغي، أو فسادها إن عُطِّلت وهُمّشِت والمسؤولية تشمل جوانب متعددة من إحقاق الحق وإقامة العدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى- والموالاة والمعاداة وغير ذلك ولهذا فتجاهلها من البعض لا يجديهم ولا ينفعهم بشيء أبدًا، لأن المسؤولية تمثل معيارا لصدق الانتماء الإيماني؛ فالذي يحدد مصداقيتك مع الله -سبحانه وتعالى- هو ما أنت عليه في مدى تحملك لهذه المسؤولية، والتزامك بها، وتفاعلك معها أما مجرد الانتماء الإيماني فالكل يدعي الإيمان لكن سنة الله اقتضت فضح هذا الزيف والادعاء قال تعالى:{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِه }[آل عمران: من الآية 179]و هذا التمييز لا يكون إلا في الأشياء العملية التي تتطلب تضحية وجهد.
الصراع عامل كشف وتجلية
يعتبر الصراع آلية كشف عن معادن الرجال وخفاياهم وحقائقهم في واقعهم الإيماني والقيمي، ومدى تجذر ذلك في نفوسهم كمعتقدات، ومبادئ، ووجدانٍ إيماني، ويظهر ذلك في ممارساتهم، وسلوكياتهم، وأعمالهم، ومواقفهم، وما عليه الخبيثون منهم، لأن عواصف الأحداث وزلازلها، وأخطارها، عوامل تحرك الركود والجمود في واقع الناس؛ فيخرج ما في نفوسهم، ليتجلى في واقعهم العملي والسلوكي كما حدث في يوم أحد من غربلة كبيرة للمسلمين، وكما يحدث اليوم في واقعنا الداخلي أمام هذه الأحداث الرهيبة، فنحن نعيش اختبارا وغربلة إلاهية، وإن كان البعض لم يعي ذلك ولم ينتبه إليه.
التمحيص الإلهي للمؤمنين
التمحيص هو عملية تنقية وفرز للمؤمنين أنفسهم من خلال ما يعانونه في نهوضهم بالمسؤولية، وهذه المعاناة تدفعهم إلى أن يصلحوا وضعهم، ويهذبوا أنفسهم، ويتداركوا أخطاءهم، ويتجهوا في صبرهم والتجائهم إلى الله -سبحانه وتعالى- والمؤمن– كما في الحديث عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- (كسبيكة الذهب كلما أوقدت عليها النار ازدادت خلاصًا ونقاءً)، في معنى الحديث ومضمونه، المؤمن كذلك فعملية التمحيص تجعل للأحداث أثرًا إيجابيًا في نفسية الإنسان المؤمن، وفي واقعه وأدائه العملي، حتى في تقييم أدائه في نفس نهوضه بالمسؤولية، أدائه الجهادي، أدائه في العمل في أي مجال من مجالات المسؤولية قال تعالى:{ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين } [آل عمران: 140-142]
النفاق.. تنصل عن المسؤولية وتجرد من القيم
الأحداث هي عملية تجليه للطرفين يتبين فيها المؤمنون الصادقون والمنافقون الصريحون وأكبر عوامل التجلية هما الجهاد في سبيل الله والموالاة والمعاداة قال تعالى: {وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }آل عمران167 فالمؤمنون يقاتلوا في سبيل الله كمسؤولية دينية لها أهميتها في القرب من الله، وفي مصداقية الانتماء الإيماني، وفي دفع الخطر عن الأمة، لكن المنافقين لا هم ممن يجاهدون ولاهم ممن يدفعون عن أنفسهم ومجتمعهم الخطر بل ديدنهم التنصل عن المسؤولية والتهرب من الواجبات وتقديم التبريرات لأنفسهم، وتثبيط الآخرين {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [عمران: 167-168] وهذا المرض هو حالة تخالف مقتضى الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها.
مرضى القلوب وسنة الله في كشف واقعهم
سنَّة الله في الحياة هي كشف واقع الناس من خلال مسألة الجهاد والولاء، يقول -جلَّ شأنه:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد: الآية29] من خلال الأحداث والمواقف التي يتحتم عليكم في مقابلها أن تجاهدوا، فَمَنْ جاهد أثبت مصداقيته مع الله، ومن لم يجاهد، وتنصَّل عن المسؤولية؛ يتضح أمام الله أنَّه يعاني من مرض في مبادئه، وانتمائه، عنده أضغان، وخلل معنوي كبير مَثَّلَ عائقًا ما بينه وبين أن يستجيب لله -سبحانه وتعالى- فمثلًا: في ظل العدوان القائم كم يحصل من جانب قوى الشر والطاغوت من جرائم وممارسات بشعة وفظيعة جدًّا، يندى لها جبين الإنسانية، الآلاف المؤلفة من الأطفال والنساء يقتلون بجرائم بشعة ووحشية للغاية، الكثير يشاهدونها، لكن البعض لا يبالي، ولا تتحرك فيه المشاعر الإنسانية نفسية متبلدة، وباردة، وجامدة، ومستهترة، وهذا لم يعد إنسانًا طبيعيًا، لو بقيت له فطرته الطبيعية، ونفسيته السليمة لكان له موقف يشرفه عند الله وعند خلقه.
الطليعة الصادقة
يقول الله-جلَّ شأنه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} [الأحزاب: الآية23] وفي الروايات: أنَّ أول طليعة لهذه الفئة من المؤمنين الصادقين هم: (علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب)، وتشمل كل المؤمنين الصادقين الأوفياء، الذين يلقون الله بالوفاء، وهم قائمون بواجباتهم ومسؤولياتهم، {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، ما تأثَّروا لا بالأحداث، ولا بالظروف، ولا صدمتهم المتغيرات ليتراجعوا عن مواقفهم؛ لأن مواقفهم نابعة من إيمانهم، ليست مواقف زائفة، فتجد كيف يتجلى موقف المؤمنين بثباتهم، بصبرهم، باستمراريتهم، بتحملهم للمسؤولية، وكيف يتحركون بناءً على هذا الأساس، لا يؤثر فيهم الإرجاف أبدًا بل يزيدهم إيمانا لأن ثمرة الاستجابة لله -سبحانه وتعالى- هي تحقق وعد الله، يمكن للناس أن يمروا بمتعرجات، بظروف صعبة، بتحديات، فإذا تجاوزوا الاختبار، وتجاوزوا تلك المراحل الصعبة بثباتهم، وإيمانهم، وتضحيتهم، ووفائهم مع الله -سبحانه وتعالى-؛ فالله يفي معهم، ولا يمكن أن يخلف وعده.