فكرةُ إحلالِ السلام في اليمن ليست صعبةً كما يرغبُ الآخرَ في تصويرها في الأذهان، بل هي فكرةٌ في منتهى السهولة لمن أخلص النوايا لها؛ لأَنَّ مفرداتِ السلام وأُسُسَه تقومُ على فكرة الحرية والاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية، وهذه الأسس من مبادئ الحقوق التي أقرتها القوانينُ الدولية.
يتعاملون مع فتح المطارات والمنافذ كقضايا شائكةٍ ومعقَّدة، وهي في حقيقتها ليست كذلك، فحريةُ الانتقال والتحَرّك من أبسط الحقوق التي تنُصُّ عليها المواثيق والعهود الدولية، فلماذا يجعلون من فتحِ المطارات والموانئ والمنافذ قضايا شائكة يلزم الجلوس على طاولة الحوار لمناقشتها؟
من حق الشعوب أن تنالَ حقوقَها كاملةً غير منقوصة، وليس من حق الدول الكبرى أن تفرض قيوداً على الدول والشعوب حتى تستعبدَ الشعوب والدول الأشد فقراً وفق ما تمليه حركة المصالح الدولية للدول الكبرى، إذ أن فكرةَ الحريات وتقرير المصير ليس من اختصاص قادة الدول الكبرى بل من اختصاص الشعوب فهي من تقرّرُ مصيرها، وهي من تختار حكامها، وفق الشرائع الربانية، ووفق القوانين الدولية، لذلك فحركةُ الاستعباد والهيمنة التي يقومُ النظامُ الرأسمالي الدولي تجافي الفِطرةَ السليمة، وتتناقضُ مع القوانين والعهود والمواثيق الدولية، وهذا التناقُضُ حالةٌ اعتراضية في السياق العام ينبغي الوقوفُ أمامه ومقاومته، فكرامة الشعوب وسيادتها ليست سلعة قابلة للتفاوض والبيع.
دأب النظامُ الرأسمالي منذ تفرُّدِه بقيادة العالم على ممارسة الاستغلال، وممارسة الغَبْن على الشعوب، وعلى مقدراتها، فهو يتحكّمُ بالغذاء والدواء، وبأسرار الحضارة المعاصِرة وبتقنية العلوم والمعارف، ويريد أن يجعلُ من نفسِه مركزاً تدورُ مصالحُ الأمم من حوله فيقر منها ما يشاء، ويمنع منها ما يشاء.
وقد رأينا كيف بدأ النظامُ الدولي الرأسمالي عهدَه منذ تفرد بقيادة العالم في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، فقد صدّر الفيروساتِ للعالم عن طريق معامل بيولوجية يديرُها ويشرفُ عليها، وَعمل على صناعة الأزمات في مختلف شعوب العالم، وصنع بؤرَ التوتر التي تهدّد الكيانات والدول بالفناء، وتحكم بمقاليدها، وحاول صناعة حركة توازنات حتى في الشعوب نفسها ليتمكّنَ من فرض ثنائية الهيمنة على الشعوب والحكومات؛ كي لا تحيد هم مساره قيد أنمله، وكان واضحًا أن مشكلتَه الكبرى هي مع حركات التحرّر التي ترفُـضُ وَصايتَه فعمل على تشويه صورتها النمطية في مخيلة الرأي العام العالمي، بدءاً من الحركات القومية التي استهدفها وحاربها بذرائعَ شتى اتضح كذبها وزيفها وتضليلها، مُرورًا بصناعة جماعات إرهابية تعددت أهدافها بتعدد الغايات منها، فالقاعدة كحركة إرهابية بدأت بتحديد أهدافها في ضرب المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة العربية وفي مختلف بقاع العالم ثم تحولت إلى حركة تستهدف الشعوب والحكومات الإسلامية وتستهدفُ السكينة العامة في المجتمعات المسلمة، هذا التحول في نشاط الجماعات الإرهابية المصنوعة بجهد استخباري صهيوأمريكي جعل النظام الدولي في مستوى أخلاقي غيرِ شريف، خَاصَّة وقد تواترت الاعترافاتُ لرموز النظام الدولي بتوظيف الحركات والجماعات التي تنشط في المجتمعات العربية لخدمة مصالح أمريكا والصهيونية العالمية.
هناك تواشُجٌ بين النظام الرأسمالي وبين الصهيونية العالمية فاللوبي الصهيوني استطاع التغلغُلَ في مفاصل النظام الدولي الرأسمالي، وبالتالي وظّف كُـلُّ توجُّـهاته لخدمة الصهيونية، وفق ما تمليه معتقداتُها الثقافية والعقدية، فهو يعمل في المنطقة العربية اليوم منطلقا من أسس عقائدية يهودية بحته، فالصهيونية تعتقد أن المخلِّصَ سوف يحكُمُ من الفرات إلى النيل، ولذلك فهي تحلُمُ بدولة إسرائيل الكبرى، وبالتالي فحركة الاضطرابات اليوم في المنطقة العربية هدفُها التمهيدُ لخروج المخلِّصِ الذي يعتقدون أن خروجَه يرتبط ارتباطاً عضوياً بشيوع الظلم وسفك الدماء، وهو ما يسعون إلى تحقيقه، لذلك كان شعار “الإخوان” في مرحلة الربيع العربي: “كلما زدنا شهيداً كلما اقتربنا من النصر”، والإخوان -وفق هيلاري كلينتون- نفّذوا الثورات وفق توافق وتفاهم مع أمريكا ومن خلالها مع الصهيونية العالمية، وبالتالي تماهوا مع الشعار تماهياً ساذجاً وبغباء مفرط، وما لم تتوقعه الصهيونية أن مكرَهم سوف يبوءُ بالفشل، فتدابيرُ الله كانت تقفُ لهم بالمرصاد، إذ تعاظم دورُ حركة المقاومة الإسلامية في اليمن وفي لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي إيران فكان ذلك عائقاً أمام بلوغ غاياتهم وأهدافهم، وهم اليوم يخوضون معركة مصيرية مع محور المقاومة الذي أصبح قوة ذات شأن عظيم في المنطقة.
ومن هذه الأسس نقولُ: إن فكرةَ السلام في اليمن قابلةٌ للتحقّق إذَا تركوا اليمنَ وشأنَه، لكن ذلك يهدّدُ وجودَهم، وبالتالي فالنوايا الدوليةُ غيرُ سليمة تجاه السلام في اليمن، بدليلِ صمت الأمم المتحدة كُـلّ هذا الوقت الطويل، حتى إذَا حدثت متغيرات دولية اقتضت مصلحةُ النظام الدولي خفضَ التصعيد مع محور المقاومة بفكرة التأجيل والتفرغ لمواجهة الخطر القادم من الروس والصين، فكانت الهُدنةُ في اليمن التي يسعَون إلى تجديدها بين الفينة والأُخرى كدمِ الذئبِ على قميص ابن يعقوب.