من قال إننا لا نحزَنُ للدماء التي تُسفَكُ في المحافظات اليمنية المحتلّة فهو واهمٌ، فالاقتتالُ والتدميرُ وافتعالُ الفوضى هي في الأخير تعمِّقُ جراحَ الوطن الممزَّق؛ بفعل غاراتِ العدوان وجرائمه المتوحشة لما يقارب ثماني سنوات مضت.
في البدايات الأولى، ومع أول غارات للعدوان، كنا نؤكّـد أن الأجنبي الذي يأتي على ظهر دبابة أَو مصفحة أَو طائرة من السماء لن يفرش الأرض بالورود لهذا البلد المعطاء، غير أن أبواق المرتزِقة كان لهم رأي آخر، فقد كانوا يعتبرونهم من جنود الله، وقد جاؤوا بأمر الله، وفي البدايات الأولى أَيْـضاً والتي استمرت لسنوات كثيرة كنا نتألم ونحزن ونكتوي بنيران المرتزِقة ودعاياتهم الكاذبة، والتشفي الواضح بقتل المدنيين، مع أن الجرائم كانت واضحة للعيان، وفيها من القسوة والألم ما يجعل الشيطان نفسه يستحي من ارتكابها.
لقد كنا نرى الابتسامة في وجوه إعلاميين وسياسيين وعسكريين مرتزِقة وهم يتباهون عبر الفضائيات التابعة للعدوان بالتوحش السعوديّ الإماراتي الأمريكي على الأطفال والنساء والكهول في مختلف المناطق اليمنية، وكل يمني حر يعلم أن الأحداث كانت بعكس ما تروج له قناة بلقيس ويمن شباب وسهيل، وبعكس ما يقوله صعتر والمسيبلي وحاتم وغيرهم، لكنه غرور القوة، والتعامي عن الحقيقة، والارتماء في حضن العدوان.
الآن، وبعد مرور ما يقارب ثماني سنوات، يبلع المرتزِقةُ ألسنتَهم، وهم يرَون مشاهدَ العزة والكرامة تتجلى في صنعاء، ويرَون الغازيَّ المحتلَّ خانعاً ذليلاً يجري وراء تمديد الهدنة، وكما هي عادة التاريخ يأتي بالدروس المفيدة للأجيال القادمة، فقد كتب في صفحاته أن اليمن مقبرة للغزاة، وأن الخونة مكانهم هناك في المنفى، وعليهم أن يتحملوا الشتائم والسباب من قبل أسيادهم لما آلت إليه الأمور.
المفارقة أننا اليوم نشاهد هؤلاء المرتزِقة يفتحون النيرانَ في وجوه بعضهم، ويقتلون بعضهم، وينتهكون أعراضَ بعضهم، ويدوسون على رقاب بعضهم، ومع ذلك نتألم للحال الذي وصلوا إليه، وكم تمنينا لو كانت رصاصاتهم تُوجَّـهُ إلى صدور المحتلّ، وقتالُهم يوجه تجاه الطغاة، إذاً لكنا معهم في الخندق ذاته، ولباركنا تلك التضحيات التي لا تذهب سدى دون فائدة.
رسالتنا الأخيرة لهؤلاء المتقاتلين بالكف عن القتال، والحفاظ على تراب الوطن، والعودة إلى جادّة الصواب، فالمشروع الكبير هو في صنعاء، ومن عاصمتها سيندحرُ الأعداء ويولون الدُّبُر، فمن أراد الحريةَ والعزة والكرامة فالطريق معروف، ومن أراد الاستمرارَ في الخيانة والارتزاق والذل، فلن يحصُدَ سوى الخيبة والخُسران.