يحاولُ التحالُفُ أن يلويَ يدَ صنعاء، في حين صنعاءُ تدركُ مكرَ اليهود، ولم تنم أَو تمل إلى السكينة، بل ظلت تواصل السير في خط الجهاد، من حَيثُ الاستعداد والبناء، ومن حَيثُ التهيئة النفسية للاحتمال الأسوأ الذي قد ينتهجه التحالف، فكانت صنعاء أكثر وضوحاً مع العدوّ، فقد بعثت له رسائلها ورموزها من خلال العروض العسكرية، ومن خلال الخطابات السياسية، وهي رسائل واضحة الدلالة والمعاني، لا لبس فيها، تقول تلك الرسائل: إننا لا نستطيعُ التفريطَ في كرامتنا، ولا في سيادتنا، ولا في حريتنا، ولا في مقدرات وطننا، وإن خيار التحرير أقرب إلينا من خيارات الذلة والاستسلام، نحب السلام المشرف الذي لا ينتقص من كرامتنا، ولا حريتنا، ولا ينتقص من كرامة اليمن، ولا سيادته، ولا نحب الاستسلام بأي شكل، وعلى أي لون، ومهما كانت طرقه مفروشة بالديباج؛ لأَنَّنا نعلم أن الديباج يبلى ويتغير مع الزمن، لكن الذي لا يبلى ولا يتغير هو التاريخ الذي قد لا يمل عن مفردات اللعن، وعبارات التندر، وقبل التاريخ مبادئنا وديننا الذي يأبى لنا الذلة والهوان.
التحالف اليوم يتعامل مع واقع جديد، وشخوص سياسية جدد، وهو يدرك ذلك، لكنه كان يفكر أن الدعة والسكينة قادرة على تفكيك البنى التي صمدت أمام عدوانه، لكنه تفاجأ بالعروض العسكرية فأذهلته وأدهشته، فلم تصمد الأبواق الدولية من التنديد بالعروض وبالتحشيد في تهامة، وكأن الأمر كان ترحيباً بكل خيارات التحالف الدولية، ولم يكن اتّفاقنا معه سوى فرصة لمراجعة نفسه، والعودة إلى جادة الصواب، واحترام حقوق الإنسان في اليمن، لكنه كان مصراً على انتهاك الحقوق والحريات، فقد تنصل عن الاتّفاقات، ومنع سفن المشتقات النفطية من الوصول إلى ميناء الحديدة، ومنع حركة الطيران من ممارسة نشاطها وفق اتّفاقات الهُــدنه وبنودها، لقد أراد التحالف من خلال الهُــدنه أن يلوي ذراع صنعاء فوجدها عصية على الالتواء.
كلّ المؤشرات اليوم تقول: إن الهُــدنة غير قابلة للتجديد وفق رغبة التحالف لمدة ستة أشهر، فالسفن لم تصل إلى الموانئ، ويعاني اليمن من أزمة وقود، رحلات الطيران لم تتعدد اتّجاهاتها، موضوع المرتبات -وهو بند أَسَاسي من بنود تجديد الهُــدنة– لم يتم البت في شأنه حتى اللحظة رغم وصول الهُــدنة إلى مشارف النهاية، ويبدو أن التحالف يرغب بالمراوغة، والمراوغة لا تروق لصنعاء، فالخيارات أمام صنعاء كثيرة لعل أقلها وجعاً وتأثيراً ضرب مصادر الطاقة، وتعطيل حركة الإنتاج في شركات الطاقة، الأمر الذي سوف يحدث أزمة كبرى في الطاقة، خَاصَّة مع تزايد الطلب على الطاقة مع قدوم فصل الشتاء، فضلاً عن قدرات صنعاء في ضرب المصالح الصهيونية والأمريكية في الصميم، وهو الأمر الذي قد يفتح أبواباً لخصوم أمريكا وإسرائيل في المنطقة، مما يسبب ضغطاً خانقاً لم يدر على بال ساسة الصهيونية ولا أمريكا ولا نعالهم في المنطقة، وقد بدأت مؤشرات ذلك من خلال النشاط الدبلوماسي الذي يقوم به رئيس الوفد الوطني، فاللعبة الدولية لم تعد أمريكا وحدها من يتحكم بها، فزمن القطب الواحد يغادر اليوم خارطة العالم، فالتململ في الكرة الأرضية أصبح واضحًا، وانحسار المد الأمريكي يعلن عن نفسه في أكثر من مكان من العالم، أمريكا تكتب نهاية تغطرسها، ومن العجيب أن يغرب نجمها بالتزامن مع نهاية رحلة غورباتشوف في الحياة، وهي فرصة لم يتركها بوتين، حَيثُ ظهر عند تابوت زعيم البيرويسترويكا الذي مهد للرأس المالية بالتفرد في قيادة العالم، وقد حمل ذلك الوداع دلالات مختلفة اجتماعية وسياسية.
لقد قال بوتن إن زمن القطب الواحد انتهى، وقد غرب نجمه وبدأ زمن جديد وهو متعدد الأقطاب، وبذلك تكون أمريكا وحليفها الاتّحاد الأُورُوبي قد وقعوا في فخ الأزمات وسوف تظهر في فصل الشتاء القادم.
خيارات التحالف في رفع الحصار البري والبحري والجوي، والوصول إلى تسوية سياسية في اليمن، هو الخيار الأقرب إلى الواقع وإلى المصالح الدولية، وبدونه سوف تصبح المنطقة بؤرة نار تهدّد المصالح الإقليمية والدولية ورسائل صنعاء كانت بالغة الدلالة في عروضها العسكرية.