لا تتعارض الصلاة مع الجهاد ولا يمكن أن يركن الناس إليها ويتركوا الجهاد
الله يقول لنا في سورة [الفاتحة] التي نقرؤها كل يوم، نحن لا نريد طريق الضالين، نحن لا نريد طريق المغضوب عليهم، أليس هذا ما تعنيه [الفاتحة]: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؟ نحن لا نريد الضالين، لا نريد المغضوب عليهم، نقول يوميًا هكذا: لا نريد طريقهم، لا نريد صراط الذين غضبت عليهم، لا نريد صراط الذين هم ضالون، ونحن نسير على صراطهم، ونحن نمشي على طريقتهم، ونحن نتثقف بثقافتهم، وتحكمنا قوانينهم، وسياستنا تسير على الأسس التي وضعوها!!
لأننا لا نفهم، نتحدث ولا نفهم، نصلي ولا نفهم، ونرى كل شيء من حولنا ضلال، وباطل، ولا يهمنا ذلك، وكأن كل شخص منا لديه [تصاريف] التي يسمونها [تصاريف] أو لديه مناعة بأنه لا يمكن أن يضل! ضلال هكذا تلقائيًا، كل واحد منا مع علمه بأن الدنيا مليئة بالضلال يتصرف لا يهمه أن يبحث عن الهدى، ولا أن يهتدي، ولا يهمه الموضوع، أنه ربما أكون على ضلال، ربما أكون على ضلال، لا أحد يتساءل، نمشي في الدنيا وكأننا محصنين، لدينا مناعة من الضلال!
أليس هذا هو الشعور السائد لدينا؟ كل شخص يمشي في الدنيا وكأن لديه مناعة من الضلال، أو هو لا يبالي ضل أو لم يضل، المهم أن أمشي [وين ما غدَّرت باتت] لا يهمه أن يقع في الضلال.
ولكن هذه السورة تؤكد لنا، ونحن نقرأها كل يوم عدة مرات: أن قضية البحث عن الهداية قضية مهمة، وأن الوقوع في صراط المغضوب عليهم، أو في صراط الضالين قضية خطيرة جدًا، تتردد على مسامعنا كل يوم عدة مرات، كم نقرأ الفاتحة في اليوم والليلة؟ عددوا، الفرائض مع النوافل التي نصليها كم تطلع الفاتحة؟ كم، كم تطلع؟ ما يقرب من عشرين مرة نقول في اليوم الواحد {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.
عشر مرات بالنسبة للفرائض، ألسنا نقرؤها في الصلاة الواحدة مرتين نقرؤها؟ بل الآخرون يقرؤونها أكثر منا، في اليوم أضعاف، أليس الوهابيون يقرؤونها في كل ركعة؟ [عادهم مننا وكذاك].
فلاحظ أنه هذا العدد الكبير في اليوم والليلة، ونحن لا نفهم بعد، لا نلتفت ونتساءل لماذا أردد هذه العبارة في اليوم والليلة هذا العدد الكبير؟ لماذا؟ هل أحد يتساءل؟ لا نتساءل، ونصلي، يصلي واحد عمره لما قد هو شيبة، لا يتساءل، لا يقف مرة مع نفسه يتساءل لماذا تفرض الفاتحة بالذات من بين كل السور؟ ولماذا نرددها هذا العدد كل يوم وليلة، ماذا يعني؟
ستجد أن الفاتحة – كما قلنا سابقًا – الذي أخذ أكثر مساحة فيها هي مساحة الهداية، والخوف من الضلال. القرآن بكله يدور حول هذا الموضوع، هو أن يهدي الناس، ويبعدهم عن الضلال، وهذا هو خلاصة القرآن، خلاصة الدين بكله، خلاصة أن هذا العمل بكله هو أن نهتدي، ونبتعد عن الضلال.
لكن لا يهمنا أن نهتدي، ولا نبالي أن نقع في الضلال، هذه هي المشكلة، الله رحيم بنا، ولاحظ هذه من مظاهر رحمته أنك تجد الصلاة مظهر من مظاهر رحمته؛ لأنه داخل الصلاة يذكرك بأشياء مهمة داخلها.
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} جعلها ذكر نردده عدة مرات؛ لأنه يريد لنا أن لا نقع في الضلال؛ لأن الضلال خطير علينا، في الدنيا وفي الآخرة.
ماذا أعمل لكم سأشرِّع لكم صلاة تذكرون فيها، ترددون فيها هذا الذكر، ولكن نردده ولا نلتفت ماذا يعمل الباري لنا، هل هناك وسيلة أخرى؟ عمل كل شيء، الشيء الذي لا يمكن أن يعمله أبوك، ولا أمك، ولا أرحم الناس بك.
قد تأتي أمك تقول لك: [با تحرق] مرتين، ثلاث، أليس كذلك؟ بعدها ستقول: [بو يدا، لا جِعْلك] أليسوا يقولون هكذا أحيانًا؟ أبوك يقول لك: [ارجع يا ِولَيد، إرجع يا وليد] مرتين، ثلاث، [أحسن لك ترجع، ولا فبويدا، إن شاء الله تسقط من على جِلْح] على ما بيقولوا، ماذا يمتلك أبوك، أو أمك؟ تردد تحذيرك، وتنبيهك على الخطورة. أما الله فيذكِّرنا في الصلاة قولوا دائمًا: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؛ لأن الهداية مهمة بالنسبة لكم، والضلال خطير جدًا عليكم في حياتكم، ووراءه جهنم، رددوها كل يوم عدة مرات، رددوها.
رددناها ولكننا لا نفهم ماذا يعمل لنا الله، ماذا يعمل بعد هذا، مظهر من مظاهر رحمته العظيمة، مظهر من مظاهر أنه رحيم بنا، رؤوف بنا؛ ولهذا جاءت آية: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} متكررة، بسم الله الرحمن الرحيم. تجد رحمة الله ماثلة أمامك في كل شيء بشكل لا أحد من الناس مهما كان يرحمك يمكن أن يكون على هذا النحو أبدًا. لكن كما قال الله: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس17) {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب72).
الإنسان ظلوم جهول، جهول لا يرضى أن يفهم، لا يرضى أن يعقل {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب72) ظلوم، جهول، يظلم نفسه، ويظلم الآخرين، ويتنكر للنعم عليه، وجهول، يعجبه أن يبقى جاهلًا، لا يفهم، لا يرضى أن يفهم.
تعليم إلهي يتكرر، ينبهنا على قضية مهمة. ولاحظوا كم أعمارنا! قد يكون أنا عمري أربعة وأربعين سنة، وعمر آخر قد يكون خمسون سنة، أو ثلاثين سنة، أو عشرين سنة، كم تصلي أنت في العشرين السنة؟! هل وقف أحد منا مرة من المرات خلال العشرين سنة، أو الأربعين سنة، وهو يصلي ليتساءل أنه يريد أن يفهم معاني الصلاة؟ ويفهم أنه لماذا [الفاتحة] ولماذا نردد {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}؟ وماذا يعني كل هذا؟ وماذا يدل عليه بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟ من أنه دلالة على رحمته العظيمة بنا.
لا نتساءل نركَّع يوميًا صلاة جوفاء، وسنة بعد سنة، ستين سنة، سبعين سنة، ويموت وهو بعد لم يعرف الصلاة، أليس هذا من الظلم، والجهالة؟ {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
عندما نتحدث – كما تحدثنا بالأمس، واليوم – حول قضية استعراض الخطورة من جانب الأمريكيين، والإسرائيليين وأن نحاول أن نعمل شيئًا، ولو أن نقول: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، بعبارات بسيطة أن نقولها، هي أشياء أيضًا لا نلمس قيمتها، ولا أهميتها، ولا نلمس الحاجة الماسة إليها، هكذا لا نتفهم، والإنسان الذي لا يتفهم، ولا يعي، ولا يحاول دائمًا أن يتفهم كل شيء، سيكون كل شيء لا قيمة له عنده.
الصلاة التي سميت خير الأعمال في حديث عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وينادى لها بلفظ: [حي على خير العمل] هي مرتبطة بكل شيء، مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، بمعرفتك بالله، مرتبطة بكل شئون الحياة الأخرى.
لا نتفهمها، هي خير الأعمال، جاء عمر حذف [حي على خير العمل] قال: الناس قد يركنون على الصلاة، ويتركون الجهاد إذا قلنا: حي على خير العمل! إن من يصلي صلاة صحيحة، من أول لفظة فيها سينطلق مجاهدًا في سبيل الله، إذا مـا وعى الصلاة، إذا ما فهم الصلاة، سيكون أعظم مجاهد في سبيل الله، لكن عمر لا يفهم [حي على خير العمل] حذفها، ورسول الله كان يؤذن بها، وكان الجهاد في عصر رسول الله في مرحلة أحوج ما يكون الناس إليه.
هي خير الأعمال، هي تشحن قلوب المؤمنين إذا ما فهموها بالروح الجهادية، المساجد نفسها هي قلاع للجهاد وليست [مكاسل] كما هو الحال، أو منابر لإضلال الآخرين، كما هو الحال بالنسبة للمساجد في هذا الزمن. قال: احذفوا [حي على خير العمل]؛ لئلا يتثبط الناس عن الجهاد، ويركنوا إلى الصلاة!
الصلاة إذا ما صلينا صلاة بمعناها الحقيقي هي من تدفعك إلى الجهاد، وتدفعك إلى أن تعمل كل عمل فيه رضا لله سبحانه وتعالى، وإذا لم تفهم معنى الصلاة فلو قيل فيها [حي على خير العمل] ست مرات عند النداء لها لا ينفعك شيء، ولا يؤثر في نفسك شيء.
أيضًا قد يقول – باختصار حتى لا يطول الموضوع – قد يقول الإنسان: والله الدنيا مليء طوائف، وكل يدَّعي أنه على حق، وذاك يدعي أنه على باطل، ما عاد عرفنا من هو الذي على حق، ومن هو الذي على باطل؟ أليس هكذا يقولون؟
تصلي ركعتين فقط، تصلي ركعتين بتأمل، وستعرف من هم أهل الحق، بل الصلاة بكلها تعطيك فهمًا للمعتقدات التي هي حق، في هذا الجانب، أو حق في هذا الجانب، أو باطل هنا، أو باطل هنا، الصلاة نفسها، أذكارها؛ لأن دين الله هو منظومة متكاملة، ومنسجم مع بعضه بعض.
هل يمكن أن تكون هناك معتقدات تتنافى مع [الله أكبر]؟ إذا كان هناك عقيدة تتنافي مع [الله أكبر] فهي عقيدة باطلة، إذا كان هناك عقيدة تتنافى مع [سبحان الله العظيم وبحمده] و[سبحان الله الأعلى وبحمده] و[سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر] أليست هذه هي من أذكار الصلاة؟ الصلاة فيها تكبير لله، وفيها تسبيح له، أليس التسبيح أيضًا هو من أكثر الأذكار في الصلاة، التسبيح؟ تسبيح في القيام، وتسبيح في الركوع، وتسبيح في السجود.
أن أقول: سبحان الله، وكلمة سبحان الله هي تنزيه لله سبحانه وتعالى، تنزيه له عن كل ما لا يليق بكماله.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
أقم الصلاة لذكري
دروس من هدي القرآن
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 1423هـ
اليمن – صعدة
* نقلا عن : موقع أنصار الله