يحتفل العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية باعتبارها أحد أهم أركان التنوع الثقافي للبشرية، وفي عامنا هذا خصصت اليونسكو أن يكون الاحتفاء بيوم اللغة العربية مقتصراً على محورين أساسيين هما:-
— المحور الأول: بيان دور اللغة العربية في إثراء التنوع الثقافي للبشرية.
– والمحور الثاني: بيان دور اللغة العربية في إنتاج المعارف الإنسانية.
واللغة في فكرنا وفي منهجنا من المقدسات وفي الفكر الإسلامي من الواجبات، ويقول الفقهاء: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولذلك كانوا يرون اللغة من المقدسات لأن كل العلوم الدينية لا يمكن فهمها إلا باللغة.
والجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً تاريخياً في 18ديسمبر من عام 1973م لتصبح اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في العالم، ومذ ذلك التاريخ والعالم يحتفل باللغة العربية، وهي اللغة التي وضعت اللبنات الأولى للمستوى الحضاري الذي وصل إليه الإنسان المعاصر، فالتقنيات تعتمد اعتماداً كلياً على الخوارزميات التي أبدعتها الحضارة والثقافة العربية الإسلامية وعلوم الجراحة والطب وعلوم الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة حتى العلوم الإنسانية التي عملت الحضارة المعاصرة على تطويرها والبناء عليها.
لم تكن اللغة العربية إلا حاملا حقيقيا لكل المعارف والعلوم التي وصل إليها الإنسان حتى علوم اللغة، وتعدد النظريات النقدية والبلاغية، ومستويات التلقي والدلالة كان للعربية فضل وضع القواعد والمنطلقات لها، حتى اتسعت وتعددت في ظل غياب لا نقول كلي ولكنا نراه تأثير الثقافة الغالبة في زمن شهد تراجعاً حضارياً للعرب، وبالرغم من ذلك ورغم التأثر إلا أن اللغة العربية حاولت أن تشق طريقها وتحدث القدر الكبير من التطور والمواكبة للمستوى الحضاري المعاصر.
ونحن في اليمن كانت لنا إسهامات متعددة وجهود جبارة قام بها الكثير من الرموز الثقافية، ففي تراثنا الثقافي الكثير من الإسهامات والكثير من المعاجم والكثير من الإضافات التي خرجت من الحاضرة الإسلامية زبيد ومن هجر ومعاقل العلم في صنعاء وذمار وحجة وشهارة، ويعد قاموس “تاج العروس من جواهر القاموس لمرتضى الزبيدي من الموسوعات المعجمية العربية إن لم يكن أهمها على الإطلاق، كما يعد كتاب ” الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز” للإمام يحيى ابن حمزة من الكتب المهمة التي أضافت شيئاً جديداً في علوم اللغة، وفي الزمن المعاصر ثمة اشتغال للكثير من أرباب الأدب واللغة من أمثال عبد الله البردوني الذي فتح للغة آفاقاً واسعة وعمل على بنية النحت والاشتقاقات، وأمثال الشاعر علي حمود عفيف الذي شذب وهذب اللغة وتتبع الأخطاء الشائعة التي تجري على اللسان المعاصر، وبما يحفظ قداسة اللغة، وأمثال الأديب مطهر الإرياني الذي أصدر قاموسا في اللغة سماه ” المعجم اليمني في اللغة والتراث ” ولا نغفل الدكتور عبد العزيز المقالح – عليه رحمة الله – الذي ساهم مع كوكبة من رواد الحداثة في الوطن العربي ليجعل من اللغة حالة معاصرة ذات تموج وإضافات بآفاق دلالية متسعة بسعة الأفق المعاصر .
وسبق لليمن أن أصدرت قرارا بإنشاء المجمع العلمي اللغوي اليمني في 25 مايو من عام 2013م ولم يفعل دوره بالشكل الذي نأمل، وتفعيل دوره أصبح من الضرورات الحضارية المعاصرة حتى نحفظ للغة قداستها وفاعليتها وحتى نتمكن من الحفاظ على الهوية الإيمانية والثقافية والحضارية الإسلامية العربية في زمن كادت أن تذوب الثقافات في بوتقة العولمة.
فاللغة تواجه خطرا محدقا وكذلك المجتمع، وأنا أرى أننا لن نصل إلى الاستقرار ولا إلى النظام ولا إلى الثبات إذا فشل الفنان والأديب من التجرد من محاكاة الأشياء الحية غير المستقرة.
فحين يبدو كل شيء حولنا في الطبيعة كعنصر مهدد لنا، وفوضى، نشعر بحاجتنا إلى إقصاء سمات الزوال والتنافر بين الكائنات، فنحن هنا خارج معادلة الفوضى ولا نشعر بالمعنى الحقيقي لوجودنا في طبيعة سماتها الفوضى والفناء.
ومن البداهة القول أن اللغة ظاهرة اجتماعية تتطور مع تطور المجتمع بدليل أن الرمزية ارتبطت بالجانب الصناعي، والواقعية ارتبطت بسباق التسلح بين الشرق والغرب وكل مرحلة كانت تبرر ضرورتها الفنية المواكبة لها.
لكن ما يحدث اليوم هو حركة تعطيل وثبات وموت، وهي مرحلة تتبلد فيها اللغة لكنها ستعود، حدث مثل ذلك قبل عصر النهضة وهو يحدث اليوم، ولا يقظة إلا بتفعيل دور اللغة.
مشكلتنا اليوم في مجتمعاتنا العربية أننا نرى الوصول إلى السلطة هو الغاية، وحين نصل إلى السلطة لا نفكر في مشروع بناء الدولة، لذلك وقعنا في عمق الأزمات المعقدة، ولم نستطع حل قضايا حقيقية ومعقدة ومتكاملة ومرتبطة ببعضها مثل فكرة الاستقلال، وفكرة تطوير المجتمع، وتحديث قانون حركة التغيير في الطبيعة والمجتمع.
فلا يمكن اختزال حركة الثقافة في المجتمعات إلى “نمطية مماثلة” كونها ليست جامدة أو ميكانيكية، وبالتالي فالتيار النظري والمنهجي الذي يعتمد مقاربة ثقافية دينامية، ينظر إلى الفرد بوصفه فاعلًا اجتماعيًا، يؤثر ويتأثر، وينفعل ويتفاعل، في بيئة اجتماعية وثقافية محددة، لتصبح التشكيلات الاجتماعية، كخيارات الولاء والانتماء، معطًى يشارك الأفراد في تكوينه.
ومع هذا التصور الدينامي للثقافة، تكون الهوية بحد ذاتها كجدل إنساني واجتماعي، وتكون في ضوء هذه المقاربة صيرورةً تكوّن نسقًا ذا معنى عند الفرد الذي يتفاعل مع آخرين، بالوقت نفسه الذي يتفاعل فيه مع النسق الرمزي بشقيه الموروث والسائد، حيث يتطورون معًا.