|
السقاف.. عَلَمٌ آخر يهوي
بقلم/ أحمد يحيى الديلمي
نشر منذ: سنة و 11 شهراً و 11 يوماً الجمعة 23 ديسمبر-كانون الأول 2022 01:07 ص
رحم الله الدكتور أبو بكر عبد الرحمن السقاف، الشخصية المعروفة ورجل العلم والفكر صاحب الوهط محافظة لحج ، فلقد عاش في جامعة صنعاء نبراساً لم يتخل يوماً عن مواقفه وقناعاته التي آمن بها منذ نعومة أظافره وهي الماركسية التي آمن واقتنع بها وظل يدافع عنها حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، أذكر أننا كنا في منزل الأستاذ المرحوم عبدالرحمن عبده علي عثمان بحضور عدد من الدكاترة وأساتذة الجامعة، ،كلهم أرادوا أن يعزوه في الاشتراكية وبأنها أصبحت في خبر كان بعد سقوط قبلتها في روسيا ، لكنه كما عرفناه وعهدناه لم يتزحزح عن الفكر الذي يؤمن به وظل يدافع عنه بلا هوادة رافضاً التسليم بما ذهب إليه الحاضرون ، بل قال أنها مجرد كبوة ولكل جواد كبوة ، وبشر بمستقبل زاهر لهذا النهج ، ورغم اختلافنا الكلي معه إلا أننا احترمناه جميعاً لأنه متمسك بمواقفه ومبادئه .
في هذا الزمن الذي من الصعب أن تجد فيه شخصاً يتمسك بمبدأه ، ويدافع عنه ويتحمل في سبيله الكثير من المكاره كما حدث للمرحوم بإذن الله ، وكم كنت أتمنى لو أن الدكتور السقاف عاش بيننا ليعرف أن فطاحلة النهج الماركسي أصبحوا يتطفلون ويبررون للسعودية كل أعمالها الإجرامية ، وأخيراً يستدعون مصر لاحتلال البحر الأحمر كما حدث من قبل الدكتور ياسين سعيد نعمان والأخ علي الصراري ، وهما كما نعرف من كبار الاشتراكيين لكنهما أسآ إلى هذا النهج وشوها معانيه فلقد ظل الفقيد مدافعاً عن مبادئه ورافضاً للسعودية ونظامها رفضاً قاطعاً وبكل المعاني التي تتحدث عنها ، لكنهم اليوم باتوا في أحضان السعودية يتلقون منها المال ويُسخرون أقلامهم وأفواههم للحديث عن هذا النظام الباغي الخارج عن إجماع الأمة والمتآمر عليها ، فكيف كان سيكون حال أبو بكر السقاف ذلك الشخص العصامي الذي لم يتبدل ولم يبتذل يوماً أو يبحث عن المال كما يعمل هؤلاء ولم يتغير رغم ما عاناه من حالات تعذيب وامتهان أقلها ذلك الموقف الصعب الذي شاهدناه عليه بعد أن تم اختطافه إلى مكان مجهول وضربوه بالهراوات الكهربائية التي انتزعت الجلد وأبقت العظام فقط ، وكان يئن في مستشفى الثورة من شدة الألم ، سأله الأخ علي سالم البيض- وكان يومها نائباً للرئيس- عن حاجته فأجاب ( لن يفلحوا .. أنا قادم)، هكذا كان السقاف يُعبر عن مواقفه بقوة وإرادة ذاتية فولاذية حتى أنه تشاجر يوماً مع الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي طلب منه الاستقامة ، فأجاب ( أنا سلوكي معروف وقيمي واضحة .. أنت الذي تعيش بلا سلوك ولا قيم.. فكيف تتحدث عن ترشيد سلوك الآخرين؟! ) هكذا كان السقاف حاداً في النقاش ، قوياً في التعبير عن المواقف ، لا يتزحزح قيد أنملة خاصة إذا تعلق الأمر باليمن ووحدته ، فلقد التقى في هذا الجانب مع المرحوم الأستاذ عمر عبد الله الجاوي وكلاهما من الوهط وكانا يُعبران عن نهج واحد معناه الوحدة أو الموت ، وبينما استكان قليلاً الأستاذ عمر بعد أن تحققت الوحدة عام 1990م ظل أبو بكر السقاف يُبشر بالأسوأ ويعتبر أن من حققوا الوحدة ليسوا أهلاً لذلك ويحذر من الآتي ، وفي عام 1994م أثناء تلك الحرب المشؤومة التي شنها النظام في صنعاء على المناطق الجنوبية والشرقية كان السقاف يؤكد أن الوحدة تحولت من رمز عظيم إلى أداة للمزايدة والضحك على الذقون ، وفي هذه الأثناء تعرض لمضايقات من نوع آخر ، لأن الأمن السياسي آنذاك كان يتهيب من سجنه، نظراً لسمعته واسمه المشهور على المستوى الدولي ، مما اضطرهم إلى اتخاذ أساليب تعذيب قاتلة معه ، منها كما قلنا الضرب بالهراوات الكهربائية لكنها جميعاً ذهبت أدراج الرياح ولم يتزحزح الفقيد عن موقفه ظل صامداً حتى وافاه الأجل رحمه الله ، وكم هي الحالة محزنة جداً لأن يتهاوى العلماء والمفكرون واحداً تلو الآخر ولا يوجد البديل ، فكما قال الشاعر :
الموت نقاد على جيده قلائد يختار منها الجياد
فأنا في آخر اجتماع في جامعة صنعاء أحسست بالملل والمهانة لأني وجدت نفسي أمام مجموعة موظفين يحملون درجة الدكتوراه فقط ، لم أجد أحداً منهم يتحدث بنفس القوة ورباطة الجأش ، كلهم ينتظرون الأوامر والتوجيهات ، أحسست بالألم والمهانة ، لأن هذا الموقف إذا كان في صرح أكاديمي على هذا المستوى فكيف سيكون حال الباقين وكيف سيكون مستقبل الوطن؟! نسأل الله السلامة وأن يجنب هذا الوطن المهالك والمزالق ، والرحمة لكل شهداء الوطن قبل الدكتور السقاف لأنهم هم الأكرم منا جميعاً ، فلقد ضحوا من أجلنا ومن أجل هذا الوطن بدمائهم الغالية وهي أعلى درجات السمو والتضحية ، فلهم منا التحية ونسأل الله لهم الرحمة وأن يرفعهم في المكانة التي وعدهم بها مع الصديقين والأنبياء ، إنه على ما يشاء قدير ، والله من وراء القصد . |
|
|