منذ مئات السنين والجامع الكبير يتصدَّر كلَّ مساجد صنعاء بروحانيته وهدوئه واتِّساعه لكلِّ الطوائف والمذاهب.
تدخل الجامع الكبير فتحس بروحانية لا تجدها في سواه.. تتأمَّل في الوجوه التي تحيط بك فترى وجوهاً رضيَّة ولِحىً مضيئة بالرضا.. وشيوخاً يلهجون بذكر الله، ولحاهم لا تخيفك ولا تبعث الريبة في نفسك.. إنها لحىً لا تؤطرها أي أيديولوجيا أو تيارات أو مذاهب.. لحىً بيضاء لا تختبئ خلفها الأحقاد، ولا تكفِّر أحداً.. إنها الِّلحى التي عرفناها في وجوه آبائنا وأجدادنا المضيئة ببهاء الله حين نقارن تلك الِّلحى بالِّلحى المتطرفة يظهر الفرق شاسعاً كالفرق بين الجنة والنار، دون أن يكون بينهما أي صراط، لأنه لا يستقيم في وجود الِّلحى المتطرفة.
ترى رجالاً سبعينيين وثمانينيين قضوا أكثر من نصف أعمارهم بين زوايا الجامع الكبير يتلون القرآن آناء الليل وأطراف النهار، قلوبهم معلَّقة بالله، ولا يبتغون سوى رضاه.. تجد السكينة في هذا الجامع وتجد الطمأنينة والأمان كأنك ترى آباءك وأجدادك في وجوههم.
حين تكون في الجامع الكبير تشعر باطمئنان وسكينة لمجرد أن ترى تلك الوجوه تحيط بك، لأنك تراها ممتلئة بالمحبة ولا تحمل ضغينة تجاه أحد، حتى لو كان مختلفاً في مذهبه ومغايراً في آرائه.. يحملون الناس على السلامة ويبتسمون على الدوام، لأنهم يشعرون بقربهم من الله، ولأنهم لا يتبعون شيخاً تكفيرياً ولا إماماً متعصِّباً.
لا يمكن أن يدخل أحدٌ إلى الجامع الكبير دون أن تلفَّ قلبَه تلك الروحانية، ولا يمكن أن يخرج من الجامع إلا وهو ممتلئٌ بالرضا، وموقنٌ بأن الله لا يكون إلَّا حيث تكون المحبة فقط.
* نقلا عن : لا ميديا