تابعتُ خلال الأيّام الأولى من شهر رمضان الفضيل الخطابَ الإعلاميَّ لجماعة الإخوان عبر قناة “سهيل” الناطقة باسمهم، وعبر القنوات الموازية التابعة لهم مثل “يمن شباب”، وقد لاحظت تميز قناة “سهيل” بتكثيف الخطاب الموجَّه إلى حركة أنصار الله، إلى درجة الإسفاف والسقوط الأخلاقي المدوي كما حدث في برنامج “غاغة ” الذي جعل من العورات طريقاً للوصول “للترند” في وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام العورات ليس جديدًا في الخط الانتهازي السفياني، بل قديم حدث مماثل له في تاريخ التدافع الإسلامي، وها هو يتجدد بصورةٍ أبشع مما كان الحال عليه في الماضي، ذلك أن الأُمَّــة تسير في خطين لا ثالث لهما كما ذهب إلى ذلك الرائي اليمني الكبير عبدالله البردوني، الأول هو الخط الثوري الحسيني، والثاني هو الخط الانتهازي السفياني الأموي، فالخط الأول يمثل إرادَة الأُمَّــة في حركة التاريخ الثوري الذي ينتصر لقضايا الأمة، والخط الثاني يعمل على تعطيل حركة الإرادَة بانتهازية غير مبرّرة أخلاقياً، يقول البردوني في مقالٍ له بعنوان: “ثورة الحسين.. ومكانتها في تاريخ الحركات”، إن فترات التاريخ التي تتعطل فيها الإرادَة تتشابه، ويقول في السياق نفسه “وهذا التعطل في جانب يؤدي إلى الجانب المعاكس، فقد أَدَّى تعطل الإرادَة بمقتل الحسين إلى انتصار الانتهازية السفيانية الأموية، كما سبب تعطل هذه الفترة من الإرادَة العربية إلى غلبة الصهيونية والإمبريالية، حتى أصبحت كُـلّ المنطقة كولاية أمريكية أَو كمستوطنة صهيونية”.
تشابهت عورة ابن العاص في الزمن القديم مع عورة قناة سهيل في العصر الحديث، وحدث التمايز بين قوى ثورية تنتصر لكرامة الأُمَّــة، وبين قوى دل تاريخها وواقعها استغراقها في الانتهازية، فالقضية التي تحدّد المعيارية للأفراد والجماعات هي المعيارية الأخلاقية، وقد سقط الإخوان في وحل الرذيلة من خلال البعد الأخلاقي في الخطاب الإعلامي، فالنقص الذي يشعرون به أرادوا من خلال سقوطهم الأخلاقي أن يكتملوا به من خلال تشويه الصورة المثلى التي عليها غيرهم، ولم يقف الأمر عند الخطاب الإعلامي الذي هو تعبير عنهم في كُـلّ الأحوال، بل وصل إلى ألسنة قادتهم، فقد تحدث صعتر في فيديو على منصات التواصل الاجتماعي بكلام وألفاظ بذيئة في معرض رده على منتقديه كما دل سياق الحديث في الفيديو المتداول، هذا التردي القيمي والسقوط الأخلاقي الذي يتسم به تيار الإخوان في خطابهم الإعلامي وفي تعاملهم لا ينفصم عن الحالة التاريخية للانتهازية السفيانية والأموية، فقد ظل النظام السفياني والأموي من بعده يمارسون ذات السقوط الأخلاقي من على منابر المساجد، لذلك فالسمات الأخلاقية تتشابه وتتشابه معها حركة التعطل في الإرادَة كما دل الواقع، فقد تحَرّكت جماعات التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأصبحت جماعة الإخوان جزءاً من حركة التطبيع؛ فهي ذات تماهٍ مطلق مع فكرة الإسلام المعتدل، ومع الإمبريالية، فقد تواترت المعلومات عن ضلوعهم في تعطيل حركة الإرادَة العربية، وكانت مهمتهم في الربيع العربي هي تدمير النظم والتطبيقات الاجتماعية وهدم النظام العام والطبيعي في المجتمعات العربية وقد نجحوا في ذلك بشكل كلي في اليمن وليبيا وبشكل نسبي في سوريا وتونس، وفشلوا في مصر فشلاً ذريعاً رغم المحاولات المستميتة لهم.
اليوم يشعرُ الإخوان بالهزيمة النفسية والثقافية والأخلاقية وهذا الشعور يجعلهم على ذلك المستوى الأخلاقي الذي نشاهده في قنواتهم التلفزيونية، فقد وجدوا أنفسهم في العراء بعد أن عملوا على تعطيل الإرادَة، فبهتوا بعد أن تحَرّكت من مسارها التاريخي المتجدد في أنصار الله، فشكلت الحركة حالة من حالات النكوص النفسي والأخلاقي والثقافي، لذلك ليس بمستغرب خطابهم الخارج عن القيم ومكارم الأخلاق؛ فكل بداية صحيحة تبدأ من مسارٍ أخلاقي متعالٍ على الصغائر، وكلّ نهاية تدل عليها الانهيارات النفسية والثقافية والأخلاقية؛ ففضلاً عن الهزائم النفسية والثقافية والأخلاقية وجد الإخوان أنفسهم في هزائم عسكرية متوالية وهزائم سياسية سواءً في اليمن أَو في غير اليمن؛ فالمرحلة التي حملوا فيها مشروع الإمبريالية والصهيونية تجاوزت حاجتها إليهم؛ فلم يسعهم إلا السقوط الأخلاقي حتى يجدوا تبريراً كافياً للانتصار ولو بإشباع الغرائز عن طريق القذف والشتائم.
ما تبثه قناة “يمن شباب” وما تبثه سهيل وغيرهما من القنوات ليس أكثر من تعبير عن هشاشة المشروع الذي يشتغل عليه الإخوان، فهم يعملون على تفكيك عرى المجتمع الأخلاقية والثقافية، فحياتهم تنمو في البيئات المضطربة ولذلك يخلقون الفرص لصناعة تلك البيئات، فالاشتغال على التحيز الجغرافي والمناطقي وعلى البعد المذهبي تفكيك للبنى الثقافية وتعميق للتنافر وهو أمر لا يدل على النوايا الحسنة للخطاب الإعلامي للإخوان.
في مقابل كُـلّ ذلك السقوط لا نجد التيار الثوري الحسيني عبر مساره التاريخي إلى اليوم يضع نفسه مواضع السقوط والابتذال، بل المأثور عنه العزة والكرامة والترفع على الصغائر وتلك ميزة الكبار الذين يتحَرّكون في المسار الثوري الصحيح وضد جماعة تعطيل حركة التاريخ.