لم يكن مستبعدًا اعتكاف المقدسيين الفلسطينيين في المسجد الأقصى على إثر دعوات لحركات استيطانية متطرفة لذبح القرابين داخل المسجد الأقصى مع حلول عيد “الفصح اليهودي” الذي يبدأ مع غروب شمس الأربعاء.
المئات من الرجال والشبان والنساء والأطفال وصلوا إلى المصلى القبلي في المسجد الأقصى واعتكفوا بداخله. سرعان ما باغتتهم شرطة الاحتلال بشكل همجي مقتحمة المصلى واعتقلت المئات من الشبان، وأصيب العشرات. مشهد الاقتحام اجتاح مواقع التواصل والقنوات العربية، وهو يبين همجية جنود الاحتلال.
لكن قرار الاقتحام لا بد أنه قد صدر من جهات عليا، وبطبيعة الحال حصل على موافقات “أمنية”. يؤكد ذلك العنف المفرط الذي تناقلته وسائل الاعلام لحظة الاقتحام.
لكن الملفت هو رد فعل الفلسطينيين. تظاهرات على امتداد الضفة الغربية المحتلة، وفي أحياء القدس المحتلة وصولًا الى المدن المحتلة عام ١٩٤٨، حيث دارت مواجهات عنيفة في الناصرة وعكا واللد والرملة ومناطق أخرى. وفي وقت كانت مجموعات المقاومة في الضفة تهاجم مواقع الاحتلال بالرصاص وتشتبك مع جنود العدو وتصيب جنديًا في بيت آمر بالخليل، كانت غزة على موعد مع عدة رشقات صاروخية. رسالة غزة الصاروخية بشكلها الذي حصل تبين أنها تذكير بما سبق “سيف القدس” عام ٢٠٢١، وما ثبت في عملية “وحدة الساحات” ٢٠٢٢. وكأن أصحاب القرار هناك يبدون استعدادًا للمواجهة مهما كانت الظروف، وهو ما شدد عليه أمين عام حركة “الجهاد الإسلامي” ببيان مقتضب، تبعه بيان عن مسؤولين من “حماس” بينهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية.
وعربيًا، صدرت بيانات قبل بزوغ الفجر من الأردن تبعها بيان شديد اللهجة من الخارجية المصرية ثم الخارجية السعودية، وهو ما يعد سابقة في سرعته وما تضمنته البيانات خصوصًا السعودية.
مجمل مشهد الضفة وقطاع غزة والاشتباكات الدائرة، والصواريخ، يؤكد أن رد فعل الفلسطينيين مع أي حماقة قد يرتكبها المستوطنون عبر ذبح “قرابين” داخل الأقصى وباحاته، سيعني تفجيرًا واسعًا للوضع، وربما يذهب الأمر نحو مواجهة عسكرية واسعة لا يمكن ضمان عدم انضمام جبهات أخرى إليها، وهو ما يخشاه الإسرائيليون من خلال معادلة القدس يعني حربًا إقليمية، التي أطلقها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عام ٢٠٢١ وأيدتها قوى وفصائل محور المقاومة.
من الواضح أن العدو الإسرائيلي قد رمى بالون اختبار لفحص نبض الفلسطينيين ورد فعلهم، لكن الجواب السريع عبر الميدان كان خير جواب ليس فقط حول مجريات ليل الثلاثاء – الأربعاء، إنما للمستقبل أيضًا. فلا يبدو أن المقاومة الفلسطينية بوارد تمرير أي أمر يقدم عليه العدو، وهي أنذرت بشكل واضح عبر سلسلة البيانات التي ترجمت على أرض الميدان.
من المفيد للإسرائيليين إعادة تقييم ما فعلوه، والبناء عليه لعدم ارتكاب حماقة قد يدفعون ثمنها كثيرًا، خصوصًا مع التوترات القائمة شمالًا وجنوبًا، وإعراب العدو عن خشيته من تصعيد لا يمكن ضبطه أو التحكم بمساراته.
يبقى القول إن ما يحصل في الأقصى وما يمكن أن يحصل خلال الأيام المقبلة سيؤدي حتمًا إلى إشعال النار في فلسطين وربما يمتد لهيبها إلى خارجها، فلا يمكن تمرير أي عمل استفزازي يفضي إلى تغيير الأوضاع القائمة في المسجد الأقصى، وهذا خط أحمر لن تسمح المقاومة للعدو بالمس به.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* نقلا عن :السياسية