قبلَ عام تقريبًا من اليوم شكّلت دولُ العدوان مجلسَ القيادة، وهو الكِيانُ المعبِّرُ عن المرتزِقة, تشكّل هذا المجلس في الرياض بدون سند دستوري ولا مرجعيات قانونية يمكن التعويل عليها في شرعية الكيان الجديد, عاد المجلس بكامل أعضائه إلى عدن, وما فتئ حتى تنافر نسيجه, وذهب كُـلّ عضو إلى جهة جغرافية يعتصم بها, وهو في الواقع يفرض سيطرته العسكرية والأمنية عليها.
يبدو أن التنافر بين قيادات المرتزِقة وصل الذروة, وهو نتاج تضاد في الولاءات، إذ أن هناك فصائل تدين بالولاء للإمارات، وأُخرى للسعوديّة, وفصائل توزعها الدوحة وأنقرة, وأُخرى تعمل لصالح أجهزة استخبارية عالمية أمريكية وبريطانية وصهيونية, وتبعاً لذلك يكون الصراع بين المكونات هو نفسه صراع المصالح للعواصم التي تدير تلك المكونات.
تحاول الرياض اليوم أن تفرض سيطرتها على مسار الأحداث منفردة دون بقية العواصم التي تنشط في المناطق المحتلّة جنوب اليمن, وقد تداول الإعلام خبراً مفاده أن الرياض استدعت مجلس القيادة وبعض القيادات المدنية والعسكرية إلى الرياض على متن طائرة عسكرية سعوديّة, ويبدو أن استدعاء الرياض لمجلس قيادتها الذي شكلته هي، بعيدًا عن النظم الدستورية اليمنية، هو التعبير المعلن عن غضب الرياض من أداء المجلس, كما أن استدعاء الرياض للمجلس يحمل ضمناً أن المجلس لا يمثل إرادَة اليمن، بل يمثل إرادَة المستعمر الظاهر والباطن, وهو في حقيقته –أي المجلس- أدَاة من أدوات المستعمر الجديد الذي يحاول أن يكون فاعلاً كضمير مستتر وإن كان ظاهراً لأولي الألباب والبصيرة.
ويقول الخبر المتداول أن من ضمن نشاط الاجتماع المشترك لمجلس القيادة مع القيادة السعوديّة هو الوقوف أمام الخلافات التي عطلت عمل المجلس, ووضع آلية لطريقة اتِّخاذ القرارات، إلى جانب التوافق على عملية إصلاح واسعة تتضمن تشكيل حكومة جديدة, وتسمية سفراء لليمن في الخارج، فضلاً عن إجراء تغييرات واسعة في المؤسّسات المدنية والاقتصادية والأمنية والعسكرية, وتلك قضايا سيادية بمُجَـرّد تداولها بنفس الصيغة فذلك يعني الاعتراف بأن الجزء الجغرافي الواقع تحت سيطرة المرتزِقة تحت نير الاستعمار؛ فالقضايا السيادية للدول الحرة والمستقلة لا تناقش في العواصم، وبإشراف المستعمر نفسه، وتحت رايته, الموضوع هنا يمُسُّ الكرامة الوطنية, وفكرة المساعدة فكرة مظللة وغير شريفة، بعد أن أصبح الجنوب يبدو لنا كولاية سعوديّة أَو مستعمرة إماراتية ظاهراً، وباطناً كولاية أمريكية ومستعمرة صهيونية؛ فالتعطل الذي أصاب الإرادَة في حركة التاريخ، والتعطل الذي أصاب اللغة فأضحت عاجزة عن تعريف المفاهيم والمصطلحات كان المهاد الذي سبب النكوص الحضاري والتاريخي، وترك المجال مفتوحاً كي يعيث المستعمر في حياة اليمن وشعب اليمن فساداً وذلاً.
مجلس القيادة مجموعة متنافرة وغير متناغمة –كما سلف القول- تعمل من قبل ومن بعد مع المستعمر ولصالح المستعمر, فهم أمراء الحرب وهم مجلس قيادة, كانوا من قبل بيد أرباب نعمهم واليوم لم يبرحوا تلك الدائرة, ولذلك استغرب الأبواق التي تنعق في وسائل الإعلام عن حوار الرياض مع صنعاء بشكل مباشر وبدون ما يسمونه قيادة الشرعية, مثل هؤلاء تحجرت حركة تفكيرهم فهم لا يرون الواقع كما هو في حركته على الأرض، بل كما يتخيَّلونه فقط، وتلك إشكالية كبيرة يقع فيها الإعلام المبرّر والأقلام المستأجرة مقابل دراهم معدودات, باعوا اليمن وقضايا اليمن الحيويةَ والإنسانيةَ، وكانوا عوناً للمستعمر؛ حتى أضحت اليمن رُكاماً وأشلاءً.
فالرياض –وفق وسائل الإعلام– أبلغت أدواتها في مجلس قيادتهم بمسودة الاتّفاق مع صنعاء ورغبتها في إنهاء الحرب العسكرية, ومثل ذلك الأمر كان كافياً للإيضاح عن حقيقة الشرعية المزعومة التي تحولت إلى مصطلح عائم وغير واضح؛ بسَببِ قدرة الأقلام -التي آثرت احتلال المستعمر لحرية التفكير لديها– على التبرير وصناعة الزيف في وعي المجتمع.
نحن اليوم أمام مرحلة جديدة من صراع الوجود، لا تبدو الترسانة العسكرية ستكون حاضرة في هذه المرحلة كما تدل مؤشرات ورموز الواقع، بل سيعمل المستعمر على احتلال العقول وتزييف الوعي وتعويم المصطلحات وهي مرحلة صراع وجود بدأت منذ زمن ليس قصيراً, لكن أزيز الطائرات وأصوات المدافع كان غالبًا, والقارئ المتمعن في حركة الواقع ونشاطه يدرك أن المعركة الثقافية أَو حرب الأفكار -كما يسمّونها- قد بدأت من خلال هدم المعنى للمقدسات في النفوس، ومن خلال التطاول على الدين والرمزيات, ومن خلال خطاب السخرية المبتذلة والماجنة الذي تقوده ماسونية الإخوان في وسائلهم الإعلامية والذي يسخر من المتعقدات والطقوس والأفكار للذين يختلفون معهم, ولا بُـدَّ لنا من الوعي بملامح المرحلة والاستعداد للمعركة الجديدة.
* نقلا عن : المسيرة