في الأيّام العشرة الأولى من شهر يناير 2016م ظهر محمد بن سلمان ليقول: إن السعوديّة دولة مؤسّسات، وإن قرار الحرب على اليمن وقعه الملك نفسه، وفي مقابل ما قاله محمد بن سلمان جاء المعتوه عبدربه منصور في نفس الزمن ليقول لإحدى القنوات العربية إن عاصفة الحزم لم يكن يعلم بها، وتفاجأ بها كما تفاجأ بها غيره، وقال: إن الأمريكان قالوا له لن يحدث شيء، ولكنه وهو في طريقه إلى السعوديّة تفاجأ بإعلان عاصفة الحزم، ومثل هذا التصريحات لعبدربه تنفي ما كان يقوله أُولئك الأعراب، أَو يقوله إعلامهم، وتنفي طلب الحكومة الشرعية بمساعدتها على حركة من يصفهم الإعلام الخليجي بالانقلابين.
تصريحات محمد بن سلمان وأقوال هادي واعترافاته تجعلنا أمام سؤال جوهري حقوقي يتوجب علينا تجميع أشلائه المتناثرة لنصل إلى إجابته في المستقبل القريب في المحاكم الدولية، فالحال الظاهر الذي عليه السعوديّة أنها جاءت لمساعدة شرعية هادي وبطلب منه ويعترف محمد بن سلمان بتوقيع قرار الحرب من قبل الملك، وهادي ينفي أي طلب له، وقال: إنه تفاجأ بقرار الحرب.
ويبدو أن عفوية هادي وبدويته كانت وراء اعترافه الذي أوقع السعوديّة في حرج أخلاقي كبير بدليل أن السعوديّة أخذت هادي وفرضت عليه الخطاب الذي قرأه في اجتماع الجامعة العربية وطلب فيه استمرار عاصفة الحزم حتى خروج الانقلابيين، وهو أول طلب معلن، والملاحظ قوله استمرار عاصفة الحزم، وهذا يعني أن هادي لم يطلب من السعوديّة قبل ذلك أية مساعدة، وقد لاحظ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل –عليه رحمة الله- أن هادي كان كالأسير في يد الجهاز الأمني السعوديّ، وفي يد سلمان الذي جاء به إلى القاعة ليلقي خطابه ثم غادرها سلمان وهادي قبل انتهاء الجلسة، وقد قال هيكل يومها: كيف لهادي مغادرة قاعة الاجتماعات مع الملك سلمان قبل نهاية الجلسة خَاصَّةً والاجتماع كان مخصصاً لمناقشة القضية اليمنية.
في ظني أن ثمة معطياتٍ في مسار الأحداث، وثمة فلتات قد تفيد حركة المقاضاة الدولية لآل سعود والأمريكان في المستقبل، وتكثيف الجهد في التأمل والتوثيق يساعدنا في السيطرة على مجريات الحدث في المستقبل، وقد يساهم في تعزيز قوتنا في التحكم في مسارات المستقبل وتفاعلاته، ومع تجدد الدعوة للمملكة للحوار المباشر مع اليمنيين تكون المملكة أمام فرصة قد لا تتكرّر لها في المستقبل إن لم تقتنص اليوم فهي لا تتعظ من الوقائع والأحداث ومن مفردات الوهم التي وقعت فيه.
لا خيار لليمن أمام هذا العدوان إلا الانتصار، ولا خيار للمملكة للخروج من مأزقها سوى الحوار المباشر مع اليمنيين ونبذ مرتزِقتها فقد تجاوزتهم الأحداث؛ فالعالم يتحَرّك اليوم، ويعيد ترتيب نسقه، وبناء ذاته خارج النظام القديم، وربما بدأت الملامح تتضح للنظام العالمي الجديد من خلال ما يحدث اليوم من كشف حقائق كان النظام القديم يتخذ منها ذرائع حتى يستمر في ممارسة ثنائية الهيمنة والخضوع على الدول.
فصنعاء لها مطالب لا يمكنها تجاوزها وتتمثل: في وقف العدوان، ورفع الحصار، وإنهاء الاحتلال، والاعتذار لليمن وتعويضه، ما لم فالمعركة قائمة حتى يحكم الله بيننا وبين الظالمين، فلا قيمة لوقف العمليات العسكرية والحصار ما يزال مُستمرًّا، ولا قيمة لوقف العلميات، والاحتلال لليمن ما يزال مُستمرًّا، فتلك القضايا جوهرية لمن أراد سلاماً حقيقيًّا وصادقًا، وما دون ذلك فهو تهريج وتعطيل ولا قيمة في الواقع له.
فالتبدل في الموازين الدولية سوف يحشر التحالف ومن شايعه في زوايا أخلاقية ومصيرية بالغة الدقة، لذلك فالبحث عن حَـلّ للملف اليمني يجبر السعوديّة ومن تحالف معها على الشروع فيه، ولا بُـدَّ للقوى الوطنية أن تقتنص الفرص، وتصنع اليمن الجديد الذي ناضل أبناؤه على مدى أعوام سلفت؛ مِن أجل كرامته وسيادته وعزته وحريته واستقلاله بعيدًا عن مدار الوصاية التي كان عليها الحال في سالف الأيّام والعقود.
فالسلام في اليمن يشكل اليوم بعداً استراتيجياً للجزيرة والخليج، وعلى السعوديّة أن تعي ذلك جيِّدًا قبل أن ينهار الجدار على المعبد ثم لا يبقي ولا يذر.