فُرَصٌ سانحاتٌ يهدينا إياها الرحمنُ؛ لنزدادَ قُرباً منه وَمغفرة وَارتقاء وَأنفساً طاهرة مطهرة مما أثقلها من الخطايا وَكرب الدنيا.
فريضة الحج هي شعائر مقدسة برمزيتها الزمانية والمكانية، من يعظمها فَــإنَّه من تقوى القلوب، ولما تحمله من روحية وقداسة فَــإنَّ أنفسنا تتوق لأن تحلق في سماء مكة مهد الرسالة المحمدية ومسقط رأس نبينا الكريم، فنحط رحالنا عند أول بيت وضع للناس سواء العاكف فيه وَالباد، محرمين ملبين أذانه بالحج، رجاء أن نعود بصحيفة بيضاء كيوم ولدنا ونفخت فينا الروح..
ونظراً لأهميّة هذه الفريضة فقد أخذت مساحة كبيرة في آيات القرآن الكريم توضيحاً وتفصيلاً لمناسكها وباسمها أنزل الله سورة كاملة “الحج”.
وفي أيامها وَعلى أرض مكة يكون البشر والطير والحجر في مثابة وأمن لتتحقَّقَ الغَايةُ العظمى والمقاصد الكبرى لهذه الفريضة التي جاءت على هيئة أكبر مؤتمر إسلامي يجتمع فيه المسلمون من كُـلّ أقطار الأرض على اختلاف هيئاتهم ولكناتهم ومذاهبهم “لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ” يتعارفون مع بعضهم البعض، وما بينهم تذوب كافة الخلافات العنصرية والمذهبية (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ).
ويشكل تجمعهم وحدة إسلامية وقوة ترعب عدو الله وعدوهم، يعلنون براءتهم من المشركين واليهود مصداقاً لقوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ، وَرَسُولُهُ).
ومن هنا ولهذا السبب أصبحت فريضة الحج محل استهداف من قبل أعداء الله الذين عملوا على تغيب معظم مقاصد الحج عبر الإغواء الفكري بمساعدة بعض المحسوبين على الإسلام ممن تولوا مهمة الإشراف على الحج وما كانوا أولياءه (إنْ أوْلِياؤُهُ إلّا المُتَّقُونَ).
وأما هم فما صلاتهم في بيت الله إلا مكاء وتصدية، وسلبوا الحج روحيته وقداسته بطمس وَتدمير الآثار الإسلامية والتغيير الممنهج في ملامح مكة والمدينة بغرض توسيع الحرم أَو المسجد النبوي، وبناء الأبراج التي تعود عليهم بالأموال الكثيرة وتضييق مساحة الحرم المكي فيكون ذلك عذرا لتقليص عدد الحجاج!
ومن ثم عملوا على تسيس الحج وجعلوا منه مصيدة للعلماء والسياسيين الرافضين لسياسية أربابهم، ولم تستطع أيديهم الوصول إليهم في دولهم وهناك تم اعتقالهم.
أضف إلى سياسة تخويف الناس من الحج، ارتكاب أبشع الجرائم بحق الحجيج، إما وهم بطريقهم إلى الحج كما حدث في مجزرة تنومة والتي ذهب ضحيتها قرابة ثلاثة آلاف حاج يمني بطريقة بشعة لأسباب دينية وسياسية، وَأَيْـضاً لنهب ممتلكات الحجيج، وَمن ثم غيبت هذه الجريمة بشكل ممنهج من قبل آل سعود لطمس بصماتهم من على البنادق والخناجر التي قتل بها الحجاج، ولأن التاريخ لا يموت فقد وصلت إلينا تفاصيل جريمتهم ولو بعد حين لتضاف إلى قائمة جرائمهم بحق اليمن، ولم تكن هذه المذبحة هي الوحيدة.
كثيرة هي جرائم القتل للحجيج منها أثناء تأدية مناسك الحج حتى لا يكاد يمر موسم حج إلَّا وَفيه جريمة ومذبحة بحق أبناء الأُمَّــة الإسلامية التي أصبح المحظوظون منها قلة في تأدية هذه الشعيرة بعد أن حدّدوا لها عدداً معيناً من كُـلّ دولة حسب ولائها السياسي لآل سعود وأربابهم اليهود، وبأموال باهظة على كُـلّ تواق للحج حتى يصبح بعيد المنال إلَّا على أرباب الأموال فتطمر هذه الفريضة وتدفن كما دفنت الكثير من العبادات وبُدعت خدمة لليهود، الذين منذ زمن يعلمون على طمسها كونها كما أسلفت سابقًا توحد الأُمَّــة على كلمة سواء ضدهم وَتحبط الكثير من خططهم ضد الإسلام وأهله..
لذا فهم يسعون لإفراغ بيت الله من الحجاج وتعطيل هذه الفريضة وبالفعل كان لهم ذلك خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حَيثُ فرضت فيها القيود على الحجاج وقلص عددهم إلى الحد الذي رأيناها فارغة تماماً إلَّا من عدد محدود من داخل المملكة، في مشهد تئن له شعيرة فقدت قدسيتها وتعظيمها؛ بسَببِ فيروس ليس ببعيد أنه لم يكن إلَّا في إطار مخطط اليهود للقضاء على الحج!!
وفي الوقت ذاته اكتظاظ كَبير تشهده دور الترفيه والانفتاح والابتذال التي أقيمت على مقربة من مكة والمدينة دون أن تفرض عليهم أية إجراءات احترازية حتى كأن فيروس كورنا قد نأى بنفسه عنها، وهنا المفارقة العجيبة التي تؤكّـد أن كورونا ليس إلَّا ذريعة!
وفي ذات الوقت فقد جعلوا من الأيّام الفضيلة كرمضان وأيام الحج مواسم لتنظيم مهرجانات للرذيلة وتسميتها بأسماء مواسم الحج والعمرة في تشويه متعمد لشعائر جعلها الله محطات روحيه وَإيمَـانية.
من هنا صار لزامًا علينا كأمة مسلمة أن نتحَرّك جميعاً لاستنقاذ المشاعر المقدسة من يد من نصبوا لها الكمائن القذرة ومكنوا الأعداء الطامحين والطامعين بالاستيلاء على كُـلّ مقدسات الأُمَّــة ومناسك فرضت عليها.
ولذا فلزاماً على الأُمَّــة وعلمائها التحَرّك لانتزاع مهمة الإشراف على الحج من يد آل سعود والعمل لأن تكون مشتركة بين كُـلّ الدول الإسلامية حتى لا تصبح هذه الفريضة ذات يوم بدعة وإثماً.