في لحظة تخل عن الآدمية، وتجل للهمجية، قُتل (حنّا لحوّد) الموظف في الصليب الأحمر، الرجل الإنسان الذي هزم السرطان، وهزمته الكراهية ليلقى حتفه مغدورا صباح السبت 21 أبريل2018م في مدينة تعز وتحديدا في الجزء الذي يسيطر عليه العدوان وأياديه!
قُتل (حنّالحوّد) وهو في مهمة عمل إنسانية، حيث انطلقت رصاصات حقد على الحياة، وكراهية لمحبيها، فأصابت في مقتل (حنّا لحوّد) عاشق الحياة ومحب الناس!
تلك الرصاصات بحقدها الآثم لم تقتل (لحوّد) وحده، بل حفرت لحدا للإنسانية كلها، وقتلت ضمن ما قتلت محبة كانت عنوان اليمن تجاه الآخر المسالم، وقتلت كرما عربيا أصيلا في استقبال الضيف تميزت به اليمن مدنا وريفا!
لقد قتلت تلك الرصاصات ضمن ما قتلت روح تعز الفوّاحة بـ(المشاقر) وثقافة التعايش والانفتاح والتنوع. قتلت أحلام تعز لتستوطنها الكوابيس والدم والجثث والقتلة منكل حدب وصوب!
(حنّا) القادم من لبنان إلى اليمن بحنو فائض على وجع الناس في كل مكان قدم لاسمه ذي الأصل الارامي الذي يدل على العظمة، معاني مرتبطة بالعطاء والبذل لتعيد تشكيل معنى العظمة الحقيقي في الحضور الإنساني الباذخ!
(حنّا)مقتول دونما تهمة سوى إنسانيته، ودونما معنى سوى تفشي القتل كوباء مدمر للبشرية جمعاء،(حنّا) يدين كل قتل، ويفتدي كل قتيل، وهو ما يجعلنا نحن الذين لم نعرفه قط، نتوجع عليه ونقاسم أهله ومحبيه الفجيعة وندين مثلهم هذه الجريمة الهمجية البشعة؛ لكننا دونهم نستحضر جرائم أكثر همجية، وأشد بشاعة، طالت بشرا جلّهم لم يروا من العالم إلا بيوتهم، ولم يحلموا بأكثر من حياة هادئة محفوفة بالستر، حتى يلاقوا ربهم؛ هؤلاء البشر جميعهم لم يكن لهم من ذنب سوى يمنيتهم، وما اقترفوا من جرم إلا أنهم أحبوا تراب بلادهم فطمرهم القاتلون تحت هذا التراب بأسلحة فتاكة بعضها يتم تجريبه فيهم، ومازالت تلك الأسلحة مستمرة في حصد حيواتهم للعام الرابع على التوالي!
نتوجع حقا على (حنّا لحوّد) وندين مقتله وقاتليه، ونأبى إجرامهم وغدرهم، ويحزُّ في نفوسنا أن أحدا لم يلتفت حتى ليرى بأسى جثامين أبريائنا أو ما بقي منها، كأنهم استحقوا القتل ثانية بالصمت واللامبالاة؛ لأن أحدا منهم لا يعمل في منظمة دولية، ولأن أسمائهم لم تسجل في قائمة المشتغلين في بالعمل الإنساني! أو ربما لأنهم في الغالب عاديون جدا، وأحلامهم بسيطة، وحدودهملم تخرج من التراب الذي آمنوا به، ودفنوا فيه!
بالصدفة القاتلة المستمرة للعام الرابع على التوالي انهمر في يوم مقتل (حنّا لحوّد) قصف طال بيتا في صعدة، صعدة التي لا بواكي لها، تنزف كل لحظة روحا، وتشهد كل لحظة احتضار بيت، وإبادة أسرة، وتفحم أطفال، وتناثر أشلاء نساء، وجرائم لا عادّ لها، ولا ناظر إليها.
صعدة هذه لم تحظ بتدوين إدانة واحدة من ناشطي العالم الذين لم يترددوا في إدانة مقتل (حنّا) الذي أسعفه الحظ وأسعده الرب أنه لم يكن من أبناء صعدة، ولم يكن يمينا، وإنما هو موظف دولي مرموق، ولوكان من صعدة لطاله الصمت كما طال كل جرائم الإبادة المتعمدة التي تمارس في صعدة وسائر اليمن للعام الرابع على التوالي!
صعدة لم تعد تزورها إلا أشباح الموت وحشرجات الفناء، وصيحات أسلحة الدمار الشامل، وفي هذا اليوم زارتها صواريخ العدوان، واحد منها هدّم بيتا على رؤوس ساكنيه ربما في نفس توقيت جريمة اغتيال (حنّا)، ربما قبل ذلك، وربما بعده، ما ندريه أن الصورة قالت إن جريمة قصف عدواني قد حدثت.
في الصورة سيدة تحت ركام البيت، هل كانت وهي بكامل حشمتها وتوجسّها وتعبّدها تنتظر القتل؟
هل كانت وهي تشد أصابعها حول السبحة، تدري أنها هي وحفيداتها سيكن الوجبة البشرية التي يتلذذ بها العدوان وصواريخه هذا اليوم؟
وهل كون المرأة والأسرة من صعدة اليمن يجعل المشهد عاديا ورتيبا حتى أن العالم لم يأسف، أو يبك قليلا هذي الجدة؟
العالم مفجوعا كان يولي الأنظار شطر تعز، ويدين ويأسف مع (ماري لحوّد)!
(ماري لحوّد) المفجوعة في الزوج، الموجوعة عليه، قالت عنه فأبكت العالم، وهو كما قالت وكما ندرك كان يستحق الحياة فعاجله الموت، وكان جديرا بالحب فأسرع إليه القاتل بالكراهية!
(ماري لحوّد) محقة في كل وجع أرسلته، وفي كل حزن تكلمت به، ونحن نعزّيها، ونعزّي الإنسانية في مقتل (حنّا) غير أن ختام كلام ماري لحود من وجهة وجعنا لم يكن منصفا، فحين ختمت ماري وجعها بقولها: (ليس هكذا يا يمن)! لم تنصف اليمن وأهله، ولو أنصفت ماري لقالت: إن الرصاصة التي مولها العدو تقتل اليمن قبل قتلها حنا!
لو أنصفت ماري لذكرت أن قتل اليمن يتم للعام الرابع على التوالي دون اعتراض أحد، وأن الدم اليمني البريء يسيل بكل شبر على امتداد الوطن ولا أحد يريد أن يشاهده!
لو أنصفت ماري لأدانت المخطًّط الإجرامي والمخطط المجرم بحق اليمن الذي لولاه لما قدم حنا إلى قاتله، المخطط الذي يرمي علانية للقضاء على مستقبل اليمن وتدمير حاضره وإتلاف آثاره، وقتل مواطنيه، دونما قلق عالمي، أو تدخل جاد لحماية المدنيين المستهدفين بالقتل على ذمة قصف يومي يدخل عامه الرابع بمباركة العالم الذي يصم أذنيه ويغمض عينيه ويبتلع لسانه أمام كل الجرائم التي تنفذ في اليمن!
لو أنصفت ماري لبكت مع (حنّاها) كل أبرياء البلد الذي قبل أن يقتل حنا فيه قتلت الحياة وأسبابها وقصفت المحبة وأبوابها وفتحت نيران تحالف إجرامي قاتل في وجه كل حيّ وكل حياة على ترابه!
لو أنصفت ماري لقالت: ليس هكذا تدمرون وطنا وتقتلون شعبا، ليس هكذا يا سعودية ويا إمارات!
ليس هكذا تبيعون القتلة المزيد من الأسلحة التي تقتل الأبرياء وتعينونهم وتديرون معهم الغارات القاتلة يا أمريكا ويا بريطانيا ويا فرنسا ويا .. ويا..!
ليس هكذا تتفرجون على جثث اليمنيين، وركام بيوتهم، وأنّات تجويعهم يا أمم متحدة، ويا منظمات دولية!
ليس هكذا تعامل اليمن، ليس هكذا تمر جرائم العدوان على الإنسان اليمني وأرضه للعام الرابع على التوالي!
ليس هكذا يا عالم، يا كل صامت، أو شامت، أو ناقم، أو حقود!
ليس هكذا لـ(حنّا لحوّد) ولكل روح يمنية بريئة تقتلها طائرات تحالف العدوان، وصمت العالم دونما رهبة أو أسف!