تحتفظ منطقة غرب آسيا بموقع جغرافي شديد الحساسية، فهي تتحكم في مضيق البوسفور والدردنيل بتركيا، وبقناة السويس بمصر، وبباب المندب باليمن، وتتحكم في خليج عدن، ومضيق هرمز، هذا الموقع زاد من الوزن الجيوسياسي لمنطقة غرب آسيا مما جعلها تحتل موقعاً مهماً في سلم الاهتمامات للنظام الدولي الرأسمالي، خَاصَّة مع تزايد الصراع في منطقة القرم، وزيادة التوتر بين الصين وأمريكا في صراع النفوذ الاقتصادي والسياسي، الاقتصادي ونقصد به طريق الحرير الدولي الذي تعمل الصين عليه منذ عام 2015م إلى اليوم بوتيرة عالية، وقد استطاعت أن تطل على خليج عدن وبحر العرب من خلال ميناء غوادر الذي تستأجره من باكستان، وأما السياسي فيتمثل في النشاط الدبلوماسي للصين في المنطقة، حَيثُ حاولت الصين التخفيف من حدة التوتر في العلاقات بين إيران والسعوديّة، ولعل لقاء الرئيس الصيني بقادة المملكة في مارس الماضي قد أثمر تقارباً بين طهران والرياض، وكانت له نتائج إيجابية على سوريا التي عادت إلى الجامعة العربية، وخفف عليها الضغط الإقليمي، وقد ألقى ذلك اللقاء ببعض الظلال على القضية اليمنية، حَيثُ وصل الوفد السعوديّ إلى صنعاء وكاد اللقاء أن يثمر انفراجاً لولا تدخل الأمريكان في اللحظات الأخيرة بنصائح للقادة في السعوديّة ثم التحَرّك لإفشال حالة التقارب التي كانت في رمضان من العام الهجري المنصرم.
أمريكا بعد خروج التنين الصيني عن صمته وتفاعله مع قضايا منطقة غرب آسيا وقدرته على التأثير، لم يرقها الأمر، فسارعت إلى تنشيط الجبهات شمال شرق سوريا، وتنمية الصراع بين العشائر والجيش الوطني في شمال سوريا، وزيادة التوتر في العلاقات بين شمال سوريا وتركيا، وهي تحاول جاهدة على تفكيك النسيج الاجتماعي، والوحدة الوطنية في اليمن عن طريق نشاطها المباشر وغير المباشر في اليمن، وتحاول فصل القيادات الوطنية المقاومة لمشروعها عن حاضنتها الاجتماعية، فكلما تشير صنعاء صراحة أَو ضمنا بضرورة الإصلاح في ملف الخدمات، وضرورة معالجة الاختلالات في الملف الداخلي تخفيفاً من الضغط الجماهيري، تتحَرّك أمريكا في الملف السياسي، ثم يتصاعد الخطاب الإعلامي في موضوع المرتبات كاستحقاق ضاغط على صنعاء تنفذ من خلاله مخطّط ضرب الوحدة الوطنية، وتعطيل الحياة، وفشل الإدارة لحياة الناس، مما يشكل ضغطاً على القيادة في صنعاء، وبمُجَـرّد أن يتحَرّك الملف السياسي عبر الوسطاء والمبعوث والسفير الأمريكي تؤجل صنعاء ملف الإصلاحات، وهو جزء من معركة أمريكا معها، ومثل هذا التأجيل لا يصب في مصلحة صنعاء، إذ لا علاقة للإصلاحات بملف المفاوضات فهو يتحَرّك خارج ملف الإصلاحات الذي ينبغي الشروع فيه اليوم قبل الغد حتى لا نفقد زمام المبادرة.
اليوم أمريكا تعيد انتشارها العسكري في المياه الإقليمية لمنطقة شرق آسيا، وقد وصلت طلائع المارينز إلى حضرموت وزار السفير الأمريكي حضرموت وتجول في شوارع سيئون ومؤسّساتها كحاكم مطلق، إذ تجاوز العرف الدبلوماسي في ذلك دون أن يندى جبين من يسمون أنفسهم بالشرعية خجلاً، وهم يفرشون لجيش الغزو أعينهم، هذا التصرف من قبل السفير الأمريكي وضع المرتزِقة في زوايا حرجة ويفترض بنا استغلال هذا الظرف لتنفيذ هجوم معاكس يفت في عضد استراتيجية تفكيك النسيج الوطني بصنعاء، وتنمية مشاعر الغضب في الشارع الجنوبي الواقع تحت نير الاحتلال حتى ينتفض ويقاوم مشروع المرتزِقة ومشروع أمريكا في الجنوب وفي البحر الأحمر وبحر العرب وفي الجزر والموانئ اليمنية، فجزيرة ميون أصبحت قاعدة عسكرية معادية وجزيرة سقطرى أصبحت منتجعاً صهيونياً بمباركة المرتزِقة ومجلس قيادتهم.
هذا النشاط العسكري والسياسي يقابله نشاط ثقافي محموم، إذ تم التوقيع على اتّفاق ثقافي بين المرتزِقة وأمريكا ظاهرة حماية التراث الثقافي اليمني وباطنة التغلغل في الكيان البنيوي الثقافي عن دعم طريق المنظمات الثقافية التي بلغ خلال السنوات الماضية أكثر من نصف مليون دولار وهو قابل للزيادة خلال قابل الأيّام، وهذا الاشتغال الثقافي هو في باطنه حرب ناعمة، بحيث يصبح التواجد الأمريكي أمراً طبيعياً طالما وهناك مصالح مشتركة تعود بالنفع على الأفراد والجماعات دون النظر إلى حالة الاستغلال الذي تمارسه الشركات الكبرى في حياة الأفراد والمجتمعات وبالتجاوز عن مفهوم الوطنية والاستقلال والسيادة.
لقد استخدمت أمريكا في حربها الناعمة البعد العرقي والبُعد الطائفي في منطقة غرب آسيا وقد نجحت وأخفقت، لكنها تحاول اليوم أن تعيد ترتيب أوراقها بعد أن شعرت أن البعد العرقي فشل في تفكيك حركة المقاومة الذي يستند إلى المشاعر الدينية، لذلك تعمل على تنمية مشاعر الشقاق بين السنة والشيعة، وتنشط في استهداف الرموز الدينية والتشكيك في العقائد والدين ولها وجوه متعددة في ذلك ملموسة ومقروءة في الواقع وهي تثير جدلاً في مواقع التواصل اليوم.
لقد بدأت الحرب الثقافية كجزء لا يتجزأ من الحرب العسكرية ويفترض التحَرّك في هذا الاتّجاه حتى نتمكّن من الانتصار، والله غالب على أمره ولو كره الأمريكان.