القضية الفلسطينية اليوم ليست قضيةً منفصلةً خاصةً بقطرٍ معين، وهي في أبعادها، في خطورتها، في أهميتها لا تتعدى هذا القطر، ونظرتنا كأمة إسلامية، نظرتنا كمسلمين- من العرب، ومن غير العرب- كمسلمين يجمعنا هذا العنوان، وحتى كبشر، في موقعها الإنساني كأكبر مظلومية قائمة لها أمد بعيد، أمد طويل، زمن طويل، نحن معنيون أن ننظر نظرة صحيحة إلى هذه القضية إلى أنها تعنينا من كل الجوانب والأبعاد.
موقع الأقصى الشريف والمقدسات في فلسطين، والأقصى الشريف هو مسرى النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” وهو معلمٌ مقدسٌ من مقدسات هذه الأمة، وهناك مقدسات أخرى، إِلَّا أنه في طليعتها، والأهم فيها، والله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” حينما قدَّم الربط في كتابه الكريم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى من خلال عملية الإسراء، التي أسرى فيها بنبيه، وفي الآية المباركة: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: من الآية1]، هذا الربط بين المَعْلَمَين المقدَّسين في المسجد الحرام والمسجد الأقصى له دلالة مهمة، يجب أن تكون حاضرة في وجدان الأمة، وفي وعي الأمة، وفي اهتمام الأمة.
ونحن لو أتينا لنفرِّط بهذا المَعْلَم المقدس والعظيم، معناه: أن الأمة مهيأة للتفريط بأي شيءٍ آخر من مقدساتها، بأي مَعْلَم آخر من مقدساتها، والمقدسات مسألة هامة في الاعتبار الديني، إذا سقطت من واقع اهتمام الأمة معناه أن الأمة تعيش أزمة حقيقية في وعيها الديني، في التزامها الديني، في هويتها الدينية، في انتمائها الديني، في التزاماتها الدينية، ومعناه أن الأمة تفرِّط بأهم ما يمكن أن يجمعها، وأن يوحِّد صفها، وأن يجمع كلمتها، وبعاملٍ رئيسيٍ يمكن أن تعتمد عليه كدافعٍ لها نحو القيام بمسؤوليتها، ونحو مواجهة الأخطار والتحديات.
الأمة إذا فرَّطت بقضاياها المهمة، وبمقدساتها، وبمبادئها، وبما يعبِّر عن هويتها وعن إيمانها… معناه: أنها باتت أمة ضعيفة، منتهية، وتفرغت من حالة الوعي والإيمان والمبادئ والقيم، وكل ما يعبِّر عن أشياء أساسية، الأمم إذا تركتها، إذا تخلت عنها انتهت واندثرت وتلاشت، وباتت بدون هوية، بدون أسس، بدون مقومات تحفظ لها وجودها، وتعبِّر عن مشروعها، وعن هويتها، وعمَّا يتصل بمبادئها وقيمها.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد في يوم القدس العالمي 1439هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله