باتت قضية الأقصى وفلسطين باتت عنوانًا لهذا الصراع الشامل، لهذا الصراع الواسع، لهذا الصراع الذي يستهدفنا كل هذا الاستهداف، بكل هذه الأهداف، ويسعى إلى الاستحواذ على كل شيء، الاستحواذ عليك كإنسان، يحتل فكرك، يحتل توجهك، يطوِّعك، يجعلك عبدًا مستغلًا خادمًا له في هذه الحياة، وجودك في هذه الحياة ليس له أكثر من هذا المعنى، ولا يمتلك أكثر من هذا الدور، وهذا ما لا يمكن أن نقبل به نحن كمسلمين، كأمة مسلمة، ثقافتنا، بل الكثير من البشر لا يتقبل بذلك بفطرتهم الإنسانية، الإنسان توَّاق بفطرته التي فطره الله عليها للحرية، للكرامة، للعزة، للسعي للحفاظ على مصالحه الحقيقية، ويتجه للدفاع عن نفسه، لمواجهة أعدائه، من يسعون إلى إلحاق الأذى به، من يشكِّلون خطورة عليه، هذه مسألة فطرية، ولهذا هناك أمم أخرى في الأرض تسعى لأن تبني نفسها لأن تكون ممتنعة ومتحصِّنة من هذه الحالة من الاستعباد والهيمنة والاستحواذ والقهر.
عندما نأتي لنتأمل هذه المرحلة ما يجري في بقية المنطقة، ما يجري عندنا في اليمن هذا العدوان الذي نحن نعاني منه في العام الرابع، ما يجري في مناطق أخرى في المنطقة، سواءً ما يجري في البحرين، أو ما يجري في بلدان أخرى, كل المظالم القائمة في المنطقة، وكل الواقع التي تعيشه المنطقة في أزماته السياسية، ومشاكله الاقتصادية، إنما هي في جوهرها، في حقيقتها، امتداد لهذا الصراع وجزءٌ منه ولا تنفصل عنه، ولهذا لا يمثِّل تجاهل الكثير من أبناء الأمة للقضية الفلسطينية، بمسألة القدس والأقصى، وفلسطين شعبًا وأرضًا، التجاهل لذلك لا يمثِّل حلًا للأمة، لا يجعل الأمة بمعزل عن المشاكل. لا، حتى لو كان سيمثِّل حلًا لهذه الأمة أن يسكت عنها أعداؤها، لا يمكن أن يكون هذا مقبولًا في التزامات هذه الأمة ومسؤوليتها الإنسانية والدينية والأخلاقية، ولكن حتى مع ذلك المشكلة تشكِّل خطورة بالغة على الأمة بكلها، وتمتد إلى الأمة بكلها.
ما يجري في بقية المنطقة هو جزءٌ أساسيٌ من هذا الصراع، والمشكلة فيه هي حركة النفاق، ونحن سنوصف بالتوصيف القرآني الحق، والذي له أهمية كبيرة جدًّا، ويجب أن تعود إليه الأمة، كما نكرر في كثيرٍ من كلماتنا ومواقفنا؛ لأنها أمة القرآن، ماذا يعني أن تنتمي إلى هذا الكتاب، إلى هذا الدين، إلى هذه الرسالة، ثم تتنكر لتلك التوصيفات والتسميات والمواقف التي عبَّر عنها القرآن الكريم، هذا يسهِّل لتلك القوى أن تتحرك وهي بمعزل عن ذلك العار الذي قد تقلدته بخيانتها للأمة.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد في يوم القدس العالمي 1439هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله