إنّ العدوان الذي يُشنّ على غزة هو عدوانٌ أمريكي من ألفه إلى يائه، ولا يُنقص هذا من وزر الكيان قطميراً، فالولايات المتحدة التي سارعت لنجدة الكيان المؤقت، تعرف أنّ زوال هذا الكيان أسوأ ما يمكن أن يحدث لمستقبلها كإمبراطورية، وهي أدركت بالفعل أنّ الزوال بعد الطوفان أصبح حتمياً.
قال أحد البارزين في الكيان المؤقت، إنّه "إذا كان جيشنا فقد توازنه عام 1973 في ست ساعات، فإنّ كتائب القسام أفقدت جيشنا توازنه في ست دقائق".
إنه ومنذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، لم يفقد جيش العدو توازنه فحسب، بل فُقدت فكرة الكيان المؤقت، ولم يتبق منه سوى الهيكل لـ"دولة"، وهذا الهيكل ليس ثابتاً بل ترنح تحت وطأة الطوفان.
ولم يكن تداعي كل الأمم التي فقدت صوابها لمؤزارة الكيان المؤقت، إلّا تعبيراً فجاً عن موت فكرة الكيان للأبد، وهذا ما أصاب تلك الأطراف بالصدمة، لأنهم تخيلوا العالم من دون الكيان، بكل ما لذلك من آثارٍ تدميرية على مصالحهم ووجودهم في الشرق، وما يعنيه ذلك من كوارث على تفوقهم اللاأخلاقي وهيمنتهم.
لذلك ليس صحيحاً أنّ الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر للكيان، لارتكاب كل جرائمه دون خشيةٍ أو خجل، بل إنّها غلّت يده عن القرار، وألزمته اتباع الأوامر فقط، لأنّه بعد طوفان الأقصى فقد كل مقومات القدرة، باستثناء تكبير الفم وتطويل اللسان.
لذلك فإنّ العدوان الذي يُشنّ على غزة هو عدوانٌ أمريكي من ألفه إلى يائه، ولا يُنقص هذا من وزر الكيان قطميراً.
إنّ الولايات المتحدة التي سارعت لنجدة الكيان المؤقت، حدّ اعتبار الحرب في أوكرانيا بكل ما تعنيه من اعتبارات على موازين القوى العالمية مجرد ترف وهامش، تدرك أنّ زوال الكيان المؤقت أسوأ ما يمكن أن يحدث لمستقبلها كإمبراطورية، وهي أدركت بالفعل أنّ الزوال بعد الطوفان أصبح حتمياً.
وإنّ فكرة الزوال تصبح واقعاً ملموساً وحقيقةً مُشاهدة بالعين المجردة، في حال فُتحت جبهات أخرى، لذا سارعت لتهديد الجميع دون استثناء، في حال فكروا بتوسيع دائرة الحرب خارج جبهة غزة، وكان شغلها الشاغل هو التهديد والوعيد لكل من تسول له نفسه استغلال العدوان القائم على غزة، لتحويله إلى فرصةٍ للحرب الأخيرة.
لأنّ هذا الزوال يعني كنتيجةٍ حتمية، إخراج الولايات المتحدة من المنطقة للأبد، وهذه نتيجة لا تحتملها الإمبراطورية، لأنّها ستكون بمثابة الكارثة على مستقبلها.
ويبدو أنّ الولايات المتحدة لا تريد خوض حروبٍ برية مباشرة عبر جنودها، وهي لا تثق بالجيش الذي قُهر وهُزم وتهلهل في السابع من أكتوبر، لأن هزيمة الكيان براً تعني النهاية التي لا مناص منها، لذا قررت الاستعاضة عن تلك المغامرة بارتكاب المجازر دون سقوف قانونية أو أخلاقية، وكان ذروتها في استهداف المستشفى المعمداني في مدينة غزة.
ويبدو أنّ الهدف هو قتل إرادة القتال لدى المقاومة في غزة، وقتل روح الصمود لدى الفلسطينيين في غزة، وانتزاع صك استسلام تحت صدمة هول طوفان الدم، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر هو الابتعاد عما يتم تداوله من خطوطٍ حمراء خطّها محور المقاومة عن الاجتياح البري لغزة، وبالتالي تكون النتيجة حسب هذا المنطق، هو الحصول على صك الاستسلام دون الاضطرار لمغامرة فتح جبهات أخرى.
وقد ألمح الناطق باسم جيش العدو لهذه الاستراتيجية، في حديثه للإعلام قبل مجزرة المستشفى المعمداني، حين قال: "نحن على أعتاب المرحلة التالية، ولكن من قال إنّها الدخول البري، الكل ينتظر الحرب البرية، ولكن من قال إنّها الخيار الوحيد".
إنّ القتل في غزة أصبح هو السائد، والقتل هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن تراه، وانتظاره باعتباره قطاراً سيمر على الجميع، هو الواضح الوحيد في عيون الناس، فهم فقط في الانتظار، ولكنه انتظار الواثق بأنه انتصر، وأنّ انتصاره سيعيده لوطنه وبلاده، أو من تبقى من عياله.
لكنهم جميعاً لا ينفكون عن السؤال الذي تبدو إجاباته مهما تعددت، أنها مجرد لغو، إن لم تكن كل الجبهات على مصراعيها.
* نقلا عن : لا ميديا