المجتمع الغربي ليس فقط يحترم مشاعر اليهود الصهاينة، بل يعظمهم، يمنع أي كلمة فيها حديث عن حقائق من واقعهم، يمنع أي نشاط قد يكون فيه تظلُّم من جرائمهم في فلسطين وغير ذلك، فما بالك بواقع الأمة الإسلامية التي هي عدد كبير جدًّا ثم لا يقيم لها أي اعتبار، لا يقيم لها- المجتمع الغربي، الأنظمة الغربية، الحكومات، الشركات- أي اعتبار، يجب أن يكون هناك موقف، هذه مسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالى”.
العدو الإسرائيلي منذ بداية تشكيل كيانه في أرض فلسطين كعصابات إجرامية، يمارس الجرائم والاعتداءات اليومية، ضد الشعب الفلسطيني العزيز، وبشكلٍ مستمر على مدى عقودٍ من الزمن، في وسط هذه الأمة، والتي شعب فلسطين جزٌء منها، وأرض فلسطين جزءٌ منها أيضًا، وفيها مقدسات من أهم مقدساتها.
منذ ذلك اليوم، منذ البداية وإلى الآن؛ لم يرتقِ الموقف العربي والإسلامي بشكلٍ عام إلى المستوى المطلوب بحجم المسؤولية، تجاه ما يحصل هناك من مظالم، وهذا ما مكَّن العدو الإسرائيلي من أن يعزز تواجده هناك، وأن يبني له كيانًا، ثم يتحول ذلك الكيان إلى عدو فاعل، يعلِّق عليه الغرب الأمل في دور أكبر وأخطر، على مستوى المنطقة بشكلٍ عام.
هناك توجهات ومواقف، واهتمامات إيجابية، ومواقف مشرِّفة للمجاهدين في فلسطين، للمجاهدين في لبنان، لمحور المقاومة الذي يدعم ويساند شعب فلسطين والمجاهدين في فلسطين، وهذا شيءٌ مهم، ويتنامى- إن شاء الله، ويصل إلى المستوى المطلوب بإذن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذا ما نأمله، وما نحرص عليه وما نسعى إليه، ولكن بالمنظور العام- على مستوى الأمة- مسؤولية الأمة تجاه ما يحصل هناك، هي مسؤولية أيضًا كبيرة.
وكذلك لم تتفعل مسألة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية في كل البلدان العربية والإسلامية، بل هناك دول دخلت في جريمة التطبيع، والعمالة، والولاء لإسرائيل والتحالفات مع العدو الإسرائيلي، وأصبحت تستقبل البضائع الإسرائيلية، وتدخل في علاقات اقتصادية واسعة وكبيرة، بل تشارك في التمويل لما يدعم العدو الإسرائيلي في اعتداءاته على الشعب الفلسطيني، بما يمثل دعمًا حقيقيًا له في ذلك، وهناك دول تراجعت حتى عن مواقفها الروتينية الاعتيادية: من بيانات، من موقف دبلوماسي، تراجعت كثيرًا عن ذلك، ووصلت إلى مستوى التطبيع- إما السري، أو العلني- مع العدو الإسرائيلي.
لم يتجه مثلًا النظام السعودي لا تجاه السويد، ولا تجاه العدو الصهيوني، لأن يفعل ما فعله مثلًا مع قطر، هل سيفعل السعودي ما سبق أن فعله مع قطر يوم غضب على القطريين، وقطع كل علاقاته بهم، ومنع الأجواء السعودية عنهم، وتعامل معهم بموقف شديد، وهجمة إعلامية سلبية، إلى غير ذلك، مثل هذا الموقف يتخذه العرب ضد بعضهم البعض، مقاطعة، حزم وعزم، مواقف شديدة، وغلظة وفظاظة، وشدة، ولكن لا يصدر منهم مثل تلك المواقف تجاه أعدائها هذه الأمة، لا تجاه ما حصل من إساءة إلى القرآن الكريم وإحراق المصحف الشريف، ولا تجاه ما يحصل في فلسطين المحتلة.
واجب الجميع: أن يكون لهم صوت واضح، أن يتحركوا وأن يدركوا أن المسؤولية هي مسؤولية مستمرة تجاه معاناة الشعب الفلسطيني واحتلال أرض فلسطين، علينا كأمة إسلامية كمسلمين، علينا مسؤولية دينية، أخلاقية، ليس فقط في الأوقات التي يشتد فيها التصعيد من العدو الإسرائيلي، في مثل هذه الظروف ينبغي أن يكون هناك وتيرة أكبر في التحرك الجادّ بكل الأشكال.
كان يُفترض من الأنظمة العربية والعالم الإسلامي بشكلٍ عام، أن يكون هناك نشاط دبلوماسي قوي ومكثف، وأن يكون هناك تحرك جاد، ودعم سخي للشعب الفلسطيني، الأنظمة العربية تمتلك الأموال الكثيرة التي تهدرها، إما فيما لا داعي له، فيما هو عبث، وإما فيما يضر بشعوب هذه الأمة، أو هو اعتداء على أبناء هذه الأمة، أو هو خدمة مباشرة لمصلحة أعداء هذه الأمة. أين هو الدعم السخي من دول الخليج مثلًا للشعب الفلسطيني من بقية الدول العربية! أين هو التعاون من الجميع والدعم الواضح من الجميع! هناك موقف ضعيف على مستوى الواقع العربي، على وجه الخصوص في المقدمة، أين هي حملات الحزم والعزم، وتلك العبارات الشديدة، واستعادة فلسطين إلى الحضن العربي، وإنقاذها من براثن الصهيونية اليهودية! لا شيء.
يجب أن يكون هناك استشعار للمسؤولية منّا جميعًا، وأن نسعى وأن نتحرك، نحن نأمل- إن شاء الله- من شعبنا العزيز أن يواصل نشاطه، وأن يكون مستمرًا في موقفه الواضح والبارز، تجاه هذه القضية، التي ينطلق في موقفه تجاهها على أساس مبدئيٍ، وإيمانيٍ، وأخلاقي. ونأمل -إن شاء الله- كما قلنا في إطار محور المقاومة كذلك: أن تتعزز حالة التنسيق والتعاون، ونحن دائمًا نؤكد على موقفنا الثابت والمبدئي تجاه هذه القضية والمظلومية الكبيرة والمؤلمة والمؤسفة.
كما أننا أيضًا ننظر بإجلال، وإعزاز، وتقدير، وإكبار، إلى ما يبذله الشعب الفلسطيني من جهود، وما يقدمه من تضحيات، وإلى صبر وعطاء المجاهدين في فلسطين في جنين، في الضفة الغربية بشكلٍ عام، في قطاع غزة، في كل أرجاء فلسطين، هناك جهد، هناك صبر، هناك تضحية، سيكون لها ثمرة بإذن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتبقى المسؤولية علينا جميعًا: أن نكون دائمًا إلى جانب الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأبطال، وأن ندعمه بكل ما نستطيع من أشكال الدعم المعنوي والمادي، وغير ذلك. أسأل الله أن يوفقنا لأن نرتقي في أداء هذه المسؤولية إلى المستوى المطلوب، الذي يبرئ الذمة أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
من الدرس العاشر للسيد القائد من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام
الثلاثاء 16-12-1444ه 4-يوليو-2023م
*نقلا عن : موقع أنصار الله