عِندَما نَسمَعُ كلِمَـةَ المُطالَبة فَــإنَّنا مُباشرةً نعرف بأن المُطالِب ليسَ لديه الاستطاعة حتّى وإن امتَلك القُدرة على أن يَنْال ما يُريد إلّا بعد أن يَطلبهُ مِن الآخرين، هذه المُعادلة التي ترجمتها قِمّة الرياض، لم نسمع في قراراتِها غير كلمة المُطالبة بالرغم من القُدرة على فرض قراراتهم بموجب هذه القوّة التي يمتلكونها، وهي العوامل الماديّة المتمثِلة بالقّوة العسكرية والبشرية التي بحوزة تلك الدول المجتمعة في القِمّة، ولكن يبقى السؤال: لِماذا سعت هذه الدول لامتلاك مِئات الآلاف من الجنود؟! ولِماذا أنفقت المليارات لشراء الأسلحة؟!
الإجَابَة بِسهولة هي بأنه من يمتلِك السلاح ليس بالضرورة أن يكون باستطاعته استخدام السلاح؛ لأَنَّ القُدرة عامل مادّي بالإمْكَان الحصول عليه، بينما الاستطاعة عامل نفسي إن لم تكن تمتلكها فَــإنَّه من الصعوبة الحصول عليها، بينما هُناك من يمتلك الاستطاعة ولكنه يفتقِر للقدرة، والفارق هنا أنه من السهولة الحصول على القدرة المتمثلة بالسلاح: إما بالتصنيع كما هو حاصل في اليمن أَو بالشّراء، وتنعدم فاعليّة القُدرة إذَا انعدمت الاستطاعة، وهذا هو الفارق بين الجبان والشجاع.
ويُعد تلازم القُدرة مع الاستطاعة؛ أي القوّة مع الجُرأة على استخدامها هو الميزة التي تَفرّد بِها الجيش اليمني ومحور المقاومة عُمُـومًا، وما نُشاهِدهُ مِن عمليات بطولية للمُجاهدين في غَزّة وفلسطين عُمُـومًا يُعد ترجمة حقيقية لمعنى الجُرأة؛ وهذا ما جَعَل مِن هؤلاء المجاهدين قوّة توازي كُـلّ الجيوش العربية والإسلامية مجتمعة، تِلك الجيوش الّتي خافت أن تُواجِه الجيش الصُهيوني، وقَبِلت أن يُباد أهلنا في غَزّة ولمّ تستطع أن تفُك حِصَاراً أَو أن تمُدَّهُم بِسلاح، بل أصبح البعضُ مِنها جُزءًا مِن الحِصار أَو مُشارِكاً في العدوان.
تِلك الجيوش التي تمتلِك القُدرة العسكرية ولكنّها تفتقِر للاستطاعة، هكذا هي الروح الانهزامية، هي نِتاج الخوف المُتأتي من حُبِّ الدُّنيا وكراهية الشهادة، وذلِكَ نتيجة الخَلل في البِناء الرّوحي والتربية الإيمانية الجهادية التي عَمِد الحُكام العُملاء أن تكون جيوشهم العربية بَعيدة عن هذا البِناء الإيماني الرّاقي.
وهُنا يمْكن أن يكون المجاهدون في غَزَّةَ مدارس تُلهِم الجيوش العربية والإسلامية؛ بمعنى أن يمتَلِك الإنسان الاستطاعة من خِلال الفِهم القرآني للجِهاد، الذي تَشرّبت به كُـلّ فصائل المُقاومة في فلسطين الجِهاد، فأصبح ما تراهُ الجيوش العربية بأنه قوة لا تُقهر، أوهنَ مِن بيت العنكبوت.
ليس أدنى شَك بأن فصائل المُقاومة لا تُقاتِلُ الكيانَ الصُهيوني فقط، بل تُقاتِلُ أمريكا وكُلَّ قوى الاستكبار العالمي ليس للدِفاع عن فلسطين ومُقدسات المسلمين فَحَسْب، إنما جَعلت من نفسِها وتضحياتِها خَطَّ الدِفاع الأول عن الأُمَّــة وحُصنَها المنيع، فسَلامٌ على غَزّة الجِهاد، ولا نامت أعيُنُ الجُبناء.