مع سابق إنذار، أشهر السيد عبد الملك الحوثي سيف البحر الأحمر في وجه السفن الإسرائيلية. دون تردد قال: سننكل بهم. وعليه، وضع على طاولة الضغط على الكيان ورقة جديدة، لطالما عبرت "تل أبيب" وواشنطن عن الخشية منها، ويكفي مراجعة التقديرات الأمنية الإسرائيلية والأمريكية لفهم خطورة ما كانوا يتحدثون عنه، وسيواجونه اليوم واقعا.
ليس سرا أن قوى ودول محور المقاومة في المنطقة في تنسيق دائم، وكل ما يدعم غزة وفق مجريات المعركة الحالية يقدمون عليه، وفي هذا السياق يمكن فهم رفع وتيرة العمل، سواء في جبهة لبنان، أو خطوات المقاومة العراقية ضد الوجود الأمريكي في كل من سوريا والعراق، وكذلك ما تقوم به صنعاء وترفع من درجته شيئا فشيئا.
أعلنت صنعاء على لسان السيد عبد الملك الحوثي منذ بداية العدوان على غزة الموقف، يومها وقف السيد عبد الملك قائلا: سنساند بالمسيّرات والصواريخ وأمور أخرى. توقف مراقبون عند الوعيد الثالث المبهم، لكن التقاط الإشارة لم يكن صعبا، المؤكد أنه كان يتحدث عن ورقة البحر، طالما الأمور محصورة في مواجهة مع الكيان، ولاعتبار أن توسع الجبهة ودخول واشنطن سيعني خطوات أخرى يعلن عنها في حينه.
تمكنت صنعاء من تحويل مدينة أم الرشراش المحتلة (إيلات) إلى منطقة غير آمنة، خصوصا أنها كانت مقصد المستوطنين المرحلين بأوامر السلطات الإسرائيلية من شمال الاراضي المحتلة ومستوطنات غلاف غزة إليها، وهي شاغلت العدو بمقدراته "الدفاعية"، وأجبرته على وضع منظومات متطورة لاعتراض ما هو آت من اليمن.
حتى الساعة، تحقق الهدف الأولي، لكن مواصلة العدوان على غزة، ومع التوغل البري في شمال القطاع، والدعم المفتوح أمريكا، ربما تطلب خطوة أكثر جرأة وقوة وإيذاء، وعليه اتخذ قرار استهداف السفن الإسرائيلية.
لا شك أن صنعاء تملك قدرات بحرية متطورة، إن على صعيد صواريخ أرض - بحر، أو زوارق مسيّرة، وأمور أخرى تحتفظ بها صنعاء، لتغطية كامل البحر الأحمر. كما يمكنها استخدام المسيّرات لتوجيه ضربات لأهداف بحرية ثابتة ومتحركة، وهي استخدمتها في منع السفن الأجنبية من نهب الثروة البحرية، كما حصل العام الحالي في المكلا وشبوة وعدن، بالتالي من ناحية القدرة والامكانات، فالأمور متوفرة.
من ناحية القرار، فقد اتخذ، وما على القوات المسلحة الا التنفيذ، وهو ما أكده العميد يحيى سريع ببيانه المقتضب أمس المليء بالرسائل.
ضرب السفن الإسرائيلية بغض النظر عن طبيعتها، سيشكل ضغطا كبيرا على "تل أبيب"، الغارقة في بحر غزة، والساعية إلى نجدة أمريكيّة، لم تُحَصِّلها في مواجهة لبنان، كما حصل خلال الأيام القادمة.
ضرب السفن سيؤثر في الكيان اقتصاديا، خصوصا أن المرور من باب المندب هو ضرورة قصوى، وحتى تحويلها عبر المحياطات لدخول المتوسط سيؤدي كذلك إلى ارتفاع الكلفة وهو سينعكس داخل السوق الإسرائيلي، علما أن بعض المسارات الأخرى هي في مرمى النار أيضا.
وقرار ضرب السفن والتنكيل بها، له أبعاد استراتيجية أخرى، يمكن الخوض في تفاصيلها في وقت لاحق، لكن يجب التنويه إلى أن القرار اتخذ مع احتساب أي تبعات، تحديدا رد الفعل الأمريكي، مع العلم أن واشنطن في موقع المتردد لأن اي شيء قد يبدر منها سعني انخراطها في الحرب، وقد يكون الانخراط فيها من بوابة اليمن أشد خطرا على تموضعاتها العسكرية خصوصا في منطقة الخليج.
إن مبادرة السيد عبد الملك الحوثي ورفع وتيرة الاسناد، يأتي من بلد تشن عليه حرب عربية خليجية، من قبل دول عاجزة حتى عن رفع صوت اتجاه ما يجري في غزة، وبالتالي يسجل لليمن وقوفه التاريخي إلى جانب القضية الفلسطينية عبر الانخراط المباشر في المواجهة، مهما كانت التبعات.
اتخذ القرار لأجل فلسطين، وبالتالي هي نقطة القوة الأكبر، ويبقى أن تشخص الأنظار نحو البحر الأحمر، ولننتظر في أي بقعة ستأتي الضربة الأولى.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري