وَقَعَ الرئيسُ (عرفات) على الأرض بفعل تدفق وتدافع الجماهير نحوه، فعاجله القاضي (الشماحي) بالقول: لقد أبت الأرض اليمنية إلا أن تُقبِّلَك!
كان ذلك خلال الاستقبال الجماهيري الحاشد للرئيس عرفات في محافظة (حجّـة) اليمنية في بداية ثمانينيات القرن الماضي..!
بصراحة لا أعتقد أن هنالك أبلغ من هذه الجملة القصيرة لتوصيف حالة الحب وكمية المشاعر الهائلة والدافئة التي يحملها اليمنيون تجاه فلسطين وشعبها الصامد المقاوم العظيم سوى أُولئك الشهداء اليمنيين الذي سقطوا مدافعين عن أرض فلسطين ذات يوم..!
ولن أبالغ إن قلت بأن اليمنيين هم أكثر الشعوب العربية والإسلامية حباً والتزاماً وتمسكاً واستشعاراً بالحق الفلسطيني وأكثرهم استعداداً على البذل والتضحية؛ مِن أجلِه..!
ففي اليمن وحدها فقط ما أن ينطق أحدهم اسم فلسطين في مكانٍ ما إلا وانقلب إليه الناس واحتشدوا حوله تشوقاً لسماع ما لديه من أخبار عن فلسطين وأحوالها..!
في اليمن وحدها فقط ما إن تدخل مجلساً أَو (ديواناً) في منزلٍ إلا ووجدته لا يخلو من صور لأيٍّ من قيادات ورموز العمل الثوري الفلسطيني مثلاً أَو من خريطةٍ لفلسطين أَو من مجسَّمٍ صغير للقدس والمسجد الأقصى..!
في اليمن وحدها فقط لا تمر بحيٍّ من الأحياء أَو حارةٍ من الحارات إلا وتجد فيها من الفتيات والفتيان الكثير والكثير ممن يحملون أسماء مناطق وتيارات وحركاتٍ فلسطينية مقاومة، فهذا اسمه: فتح، وهذه: حماس، وهؤلاء: جهاد وغزة وكنعان ويافا وبراق وإسراء وَ..
وأما الشوارع والأحياء والحارات والمحال التجارية، فحدث ولا حرج..!
أليس هذا هو الحب (الصادق) يا سادة..؟!
الحب الذي جعل اليمنيين يحرصون ذات يوم على أن لا يكون حفل توقيع وإعلان أهم وأكبر منجزٍ تاريخيٍ يمنيٍ في العصر الحديث (الوحدة اليمنية) إلا في قاعةٍ تحمل اسم (فلسطين)..
وأن لا يكون حاضراً وشاهداً على هذا الإعلان من القيادات والزعامات العربية سوى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فكان هو أول المهنئين والمباركين وكان هو أول المتحدثين أَيْـضاً..!
يومها تحدث الرئيس عرفات بانفعالٍ جياش ومشاعر حقيقية صادقة واصفاً هذه الوحدة بأنها (اللحمة) ومعلناً في الوقت نفسه أن اليمن الموحد الجديد هو الشطر الآخر لفلسطين..!
هو الحب الذي جعل اليمنيين (لا يأخذون على خاطرهم) من الفلسطينيين شيئاً جراء إعلان السلطة الفلسطينية وبعض حركات المقاومة الفلسطينية الأُخرى دعمها وتأييدها لما يسمى بالتحالف العربي عند بدء العدوان على اليمن..!
هو الحب أَيْـضاً الذي دعاني اليوم ودعى ملايين اليمنيين إلى الخروج إلى الساحات والميادين العامة هنا في العاصمة (صنعاء) وفي بقية المحافظات في وقتٍ قلما تجد المواطن اليمني يخرج فيه (وقت العصر) للتعبير عن تضامننا الكامل والتأكيد على موقفنا الثابت والمبدئي المناصر والمؤازر لأهلنا وشعبنا الفلسطيني المرابط والصامد هناك في أرض فلسطين المحتلّة..!
الحب الذي جعل اليمنيين اليوم، وكنصرةٍ لفلسطين وغزة، لا يتردّدون في إرسال صواريخهم البالستية ومُسَّيراتهم إلى البلدات والمناطق المحتلّة في فلسطين لضرب هذا الكيان الصهيوني المجرم الغاصب والمحتلّ..!
وفي أي زمن؟
في زمن دسَّ العرب رؤوسهم جميعاً في الوحل أَو التراب كما يقولون..
ذلكم في الحقيقة بعض مما يحمله اليمنيون من مشاعر الحب والوفاء لأهلنا في فلسطين وقضيتهم العادلة والذي يؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك على ما ذهب إليه الرئيس (عرفات) ذات يوم من أن فلسطين هي فعلاً شطر اليمن الآخر.