نعلمُ جميعاً ما للاقتصاد من أهميّة في نشأة الدول وكيف يمثل عامِلًا من عوامل بقاؤها وَنهضتها؛ كونه يجلب لها كُـلّ عوامل القوة لمواجهة أية رياح عاتية قد تعصف بها وَتحاول السيطرة على سيادتها!! ما يجعلها دولة يُحسب لها العالم ألف حساب وتكون بذلك قد سجلت نفسها ضمن الدول التي تحكم العالم؛
إلا أن بعض الدول جعلت من اقتصادها الضخم عصا غليظة تضربُ بها أنّى شاءت وَأين شاءت وَاتخذت منه سلاحا تُخضِعُ به الشعوب لإراداتها وَتحتلُّ به الأرض التي ترغب بها.
تماماً مثلما فعلت بريطانيا باحتلالها فلسطين وَتسليمِ جُزءٍ منها بل جُلِّها لليهود، وهم الفصيل الأكثر حقدًا على الأُمَّــة الإسلامية ودينها وأرضها!! وبدعم أمريكي وغربي ثبّتوا أركانَ كيانهم كدولة داخل الدولة الفلسطينية، وَبالترغيب والترهيب جعلت أمريكا الأنظمة العربية تعترف بها وَتهرول نحو التطبيع؛ خوفًا منها وَمن دائرة الصهاينة وهم الواقعة عروشهم على جغرافيا ذات موقع استراتيجي يحوي ثروة نفطية وَغازية وَأراضيَ زراعية ومناخا ملائما لزراعة كافة المحاصيل الزراعية، اضف إلى الثروات البحرية وَالمنافذ التي تمكّنها من التحكم بطرق التجارة العالمية.
كل هذا كان كفيلاً بتمكينهم من كُـلّ عوامل القوة التي تجعلهم بمنأىً من التهديد الأمريكي والصهيوني، كما كان كفيلًا بجعل أمريكا وَالغرب يتوددون لهم لحاجتهم للنفط وَالسوق العربيين!
إلا أن العكس هو الحاصل فقد أصبحت الأرض مُجَـرّد سوق استهلاكية لمنتجات الغرب وَتعصف بها مخاطر الأمن الغذائي والحرب الاقتصادية وَالحروب العسكرية التي أشعلتها أمريكا فيما بينهم!! وصار كثير من العنصر البشري أياديَ تقاتل تحت لواء أمريكا وَ”إسرائيل”؛ لتمكّنيهم أكثر من الأرض العربية التي وعلى الرغم ثرواتها الهائلة إلا أن أغلبها مديونة للبنك الدولي الذي يديره اللوبي الصهيوني المتحكم بالاقتصاد العالمي، وبدلًا عن أن تكون ثرواتنا هي عاملَ ضغط عليهم أصبحت صَكَّا بأيديهم يقايضون به العرب لتسديد تلك الديون!
لذلك وطالما نحن كشعوب المتضررُ الأكبرُ من الهيمنة الأمريكية وَإسرائيل والداعمين لها من دول الغرب فنحن المعنيون بكسر تلك العصا الغليظة التي تهشّم أوصالنا وتدعم الكيان الصهيوني في مشروعه الاحتلالي للأرض العربية وَالمدمّـر لقيم الدين الإسلامي؛ إذ ليس بالسلاح العسكري وحده نقاوم معاركَهم ضدنا؛ فثمة أسلحة أُخرى يكاد يكون مفعولها أقوى من مفعول الحرب العسكرية.
أحد أهم هذه الأسلحة هو المقاطعة الاقتصادية للسلع الأمريكية والعلامات التجارية الداعمة للصهاينة، وهذا السلاح نبهنا له الشهيد القائد “حسين بدر الدين الحوثي” واستخدمته مسبقًا الجمهورية الإسلامية في إيران؛ للوقوف في وجه أمريكا وَالتغلب على الحصار المفروض عليها ونجحت في ذلك.
المقاطعة تمثل سلاحا قويا سيكسر تلك العصا الغليظة لأمريكا وَالكيان الصهيوني ويضعفهم، سيما إذَا ما بحثنا عن بدائلَ لمنتجاتهم داخل أسواقنا الوطنية، وَعملنا كعرب ومسلمين على إنشاء سوقٍ اقتصادية مشتركة للتبادل الاقتصادي.
وَكما أن المقاطعة سلاح هدام للاقتصاد الغربي هي أَيْـضاً بذرة بناء لاقتصادنا، حَيثُ سيجعلنا نتجه نحو الاكتفاء الذاتي في كافة المجالات الزراعية والصناعية وبالتالي سنملك قرارنا السياسي الذي نراه اليوم يقف خجلا في إدانة الصهاينة على ما يرتكبونه من مجازرَ وحشية وتدمير ممنهج في غزة وَمحاولة تهجير لأهلها لإعادة احتلالها في ظل غطاء دولي يقف إلى جانبهم؛ ما شجّعهم على الإجرام وَالتمادي على كُـلّ حرمة ومقدس!
من هنا يكون طوفان المقاطعة هو بلا شك امتدادًا لـ “طُـوفان الأقصى” الذي كسر هيبة الصهاينة وفضح أمريكا التي هرولت لمساندة إسرائيل لتمدها بكل أسباب القتل والدمار لغزة وسكانها وَتنفيذ جرائم حرب ضد كُـلّ ما هو فلسطيني وضد تكوين الدولة الفلسطينية.
ونحن في اليمن لنا تجربةٌ إيجابيةٌ في الاكتفاء الذاتي تمكّنا من خلالها من كسر الحصار المفروض علينا خلال سنوات الحرب التسع أعادت تأهيلَنا كأيدٍ منتجة في كافة المجالات الصناعية وَأصلحت العلاقة بيننا وبين الأرض الزراعية التي هجرناها معتمدين على منتوجات الغرب!! وكما تمكّنا أَيْـضاً من الصناعات العسكرية التي تشارك اليوم المقاومةَ الفلسطينية في طوفانها الذي قريباً سيشيّع الكيان الصهيوني إلى مثواه الأخيرِ، وما ذلك على الله ببعيد.